الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل: الأعذار التي تجيز التخلف عن الجمعة

                                                                                                                                                                                        الأعذار التي تجيز التخلف عن الجمعة أربعة، وهي: ما يتعلق بالنفس، والأهل، والدين، والمال. [ ص: 555 ]

                                                                                                                                                                                        فأما ما يتعلق بالنفس فالمرض الذي يشق معه الإتيان إليها، أو علة لا يمكنه اللبث في الجامع حتى تنقضي الجمعة لنزول به، أو غير ذلك، أو كان مقعدا ولا يجد مركوبا، أو أعمى ولا يجد قائدا ولا يهتدي للوصول بانفراده.

                                                                                                                                                                                        واختلف في المطر الشديد: هل يكون عذرا؟ فقال مالك: عليه أن يشهد. وقال أيضا: ليس ذلك عليه.

                                                                                                                                                                                        ومن العذر أن يخاف سلطانا إن ظهر قتله أو عاقبه أو ضاره، وقال سحنون: إذا خاف غريما أن يحبسه- لم يسعه التخلف، كان له مال أو لم يكن. وقوله: إذا لم يكن له مال، ليس بحسن.

                                                                                                                                                                                        واختلف في تخلف العروس، فقال مالك: لا يتخلف عن الجمعة ولا غيرها. وقال سحنون: قال بعض الناس: يتخلف ولا يخرج، وهذا حق لها بالسنة.

                                                                                                                                                                                        وهذا لا يصح، إلا أن يقول: إنها من فروض الكفاية.

                                                                                                                                                                                        - والعذر في الأهل أن تكون زوجته أو ابنته أو أحد أبويه قد اشتد به المرض، أو احتضر، أو مات; فيجوز له التخلف، وكذلك لو كان مريضا يخشى [ ص: 556 ] عليه الضيعة ولم يكن له من يقوم به.

                                                                                                                                                                                        وإن كان أجنبيا ومات واحتيج إلى مواراته فقد اختلف في هذا الأصل: فقال مالك في الرجل يكون مع صاحبه فيمرض ويشتد عليه مرضه: لا يدع الجمعة إلا أن يكون في أسباب الموت.

                                                                                                                                                                                        وقال في الرجل يهلك في يوم الجمعة فيتخلف عليه الرجل من إخوانه ينظر في شأنه: لا بأس به.

                                                                                                                                                                                        وروي عن ابن عمر أنه دعي لعثمان بن زيد بن نفيل وقد كان احتضر، فمضى إليه وترك الجمعة.

                                                                                                                                                                                        وذكر ابن نافع عن مالك أنه قال في رجل بلغه موت بعض أهله، يخرج إلى جنازته وهو قريب من المدينة ويدع الجمعة؟ فقال: لا، وأرى أن يؤثر الجمعة. وقال سحنون: يحضر الجمعة إذا لم يخف تغير الميت.

                                                                                                                                                                                        - وأما الدين فإن كان إن ظهر خاف أن يلزم بأمر لا يجوز، من قتل رجل، أو ضربه، أو سبه، أو بيعة من لا يجوز العقد له - جاز له التخلف، وهو قول مالك. [ ص: 557 ]

                                                                                                                                                                                        - وأما المال فإن كان يخاف سلطانا إن ظهر أخذ ماله، أو يخاف أن يسرق بيته، أو يحترق شيء من ماله- جاز له التخلف.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اجتمع العيد والجمعة: فروى ابن القاسم عن مالك: أنه يشهد الجمعة. قال مالك: ولم يبلغني أن أحدا أذن لأهل العوالي إلا عثمان.

                                                                                                                                                                                        وفي الواضحة عن ابن وهب ومطرف وابن الماجشون أنهم سمعوا مالكا يرى الأخذ بذلك ولا يستنكره.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية