باب الحكم في القتيل بين الصفين
في دمه على أربعة أوجه: هدر، وقصاص، ودية، ومختلف فيه هل يكون قصاصا أو دية؟ وذلك راجع إلى الوجه الذي كان عليه القتل، فإن كانت الطائفتان متأولتين كان دمه هدرا لا قود ولا دية فيه، وإن كانتا غير متأولتين كل واحدة منهما باغية كان قصاصا إذا عرف القاتل، وإن كانت إحداهما متأولة والأخرى باغية كان دم الباغية هدرا، ودم المتأولة قصاصا، وإذا كان ذلك في مثل ما يكون بين القبائل وكانت إحداهما زاحفة والأخرى دافعة عن نفسها كان دم الزاحفة هدرا ودم الأخرى قصاصا. القتيل بين الصفين
وإن كان القاتل والمقتول من فئة واحدة غلطا كانت فيه الدية; لأنه خطأ.
وإن كانتا باغيتين ولم يثبت القتل ببينة ولم يكن إلا شاهد واحد على القتل أو قول القتيل قتلني فلان أو وجدوه قتيلا هل يكون ذلك لوثا يوجب لأولياء القتيل القسامة والقصاص، أو تكون فيه الدية على الطائفة التي نازعته من غير قسامة؟ [ ص: 6470 ]
فقال في الكتاب: ، قال لا قسامة في من قتل بين الصفين في كتاب مالك محمد: إنما فيه الدية على الفئة التي قاتلته في أموالهم، وكذلك الجراح، عقل الجرح على الفئة التي نازعتهم، فإن كان القتيل والجريح من غير الفريقين كان عقله على الفريقين جميعا.
وقال إذا قال القتيل دمي عند فلان لم يقتل به ولم يقسم معه، ولو شهد شاهد واحد لم يجز ، وأجاز القسامة في موضع آخر في هذين الموضعين جميعا. ابن القاسم:
وقال وعن أبو القاسم بن الجلاب رواية أخرى أن وجوده مقتولا بينهما لوث يوجب القسامة لأوليائه فيقسمون على من ادعى قتله ويقتلونه به . مالك
قال الشيخ: ولا وجه لمنع القسامة مع الشاهد العدل إذا كان الشاهد من غير الفريقين وليس ذلك بمنزلة إذا قال: قتلني فلان من غير شاهد; لأنها دعوى منه على عدوه وقد يرمي بذلك غير قاتله; لأن الكل أعداء له. [ ص: 6471 ]
وقد اختلف في هذا الأصل إذا ادعى القتل على عدوه فمنع مرة للتهمة التي بينهما وأجيز مرة ; لأن تهمة القتل من العدو أقوى منها على غيره، ولو قال: قتلني فلان لرجل من الطائفة التي هو منها يريد غلطا لأقسم مع قوله قولا واحدا وكانت الدية على العاقلة; لأنه خطأ ومنع القسامة بدعوى أولياء القتيل في القول الأول ولم يجعل وجوده لوثا; لأنها دعوى على عدوه وقد منع القسامة بقول المقتول فهي بدعوى الأولياء أبعد وأجاز ذلك في القول الثاني لحديث عبد الله بن سهل حين وجد قتيلا بخيبر فاتهم به أولياؤه اليهود من أهل خيبر، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: كيف نحلف ولم نشهد، أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم. وقال أيضا: أخرجه يحلف خمسون منكم على رجل منهم ويدفع إليكم برمته وأباح القسامة بدعوى الأولياء المعرفة لما كان القتيل بين ظهراني عدوهم وقد قال مسلم - رضي الله عنه -: إن عمر بن الخطاب عبد الله بن سهل خرج إلى ماله [ ص: 6472 ] بخيبر، فعدي عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه وليس لنا عدو غيرهم هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهمأخرجه فكأن وجوده قتيلا بين من ناصب القتال وبرز لقتله وإن كانوا غيبا أبين. البخاري
واختلف في الجراح على نحو ما اختلف في القتل، فقيل إنما فيه الدية دية الجرح على الفرقة التي نازعته.
وقال في كتاب ابن القاسم محمد: إذا انكشفوا وبأحدهم جرح فادعى على بعضهم أنه جرحه، أنه يحلف ويقتص . وهو عنده خلاف من ادعى ذلك ولم يعلم اجتماع لقتال . وقاله ورأيا أن وجود الجرح ومعرفة الاجتماع لوث، فأما مقام الشاهد قال ابن الماجشون محمد قال مالك فيمن كان بينه وبين عدوه قتال فأتي به وبه أثر ضرب أو به جرح ، فقال فلان [ ص: 6473 ] وفلان هما اللذان فعلا ذلك بي ثم مات قال أرى أن يسجنا حتى ينظر في أمرهما وأحب ما فيه إلي أن لو اصطلحا فترجح عنده الأمر على هذا القول وأمرهما بالرجوع إلى الصلح وكذلك الجرح على هذا القول. [ ص: 6474 ]