الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في صفة القصاص في القتل

                                                                                                                                                                                        القصاص في القتل يجب بمثل القتلة الأولى لحديث أنس أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض رأسه بين حجرين .

                                                                                                                                                                                        وإن أراد الولي القتل بما يخالف مما هو أخف لم يمنع وإن كان أشد منع فإن قتل الأول بسيف قتل بالسيف ومنع أن يقتل بالرمح; لأنه أشد فإن كان القتل بالرمح لم يمنع أن يضرب عنقه بالسيف; لأنه يجهز ما لا يجهز الرمح وهو أخف ولو ذبح الأول لم يمنع من القصاص بالسيف وإن أحرقه بالنار لم يمنع من القصاص بالسيف أو بالرمح وإن كان الأول بالطعن بالرمح منع أن يقتله بالنار وإن قتل بالعصا قتل بالعصا.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا ضرب مثل العدد الأول فلم يمت فقال ابن القاسم: يضرب بالعصا أبدا حتى يموت. [ ص: 6475 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك عند محمد: إن كانت العصا تجهز في ضربة واحدة ولا يكون بشيء لين مختلف، فله أن يقتله بالعصا وإن شاء بالسيف وأما ضربات فلا وليقتله بالسيف .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: إن رأى أنه إن زيد مثل الضربة والضربتين مات زيد .

                                                                                                                                                                                        وهو أحسن، ولو مات الأول عن خمس ضربات فيضرب مثل ذلك العدد، فإن لم يمت ورأى أنه إن زيد مثل الضربة والضربتين مات فعل، وإلا أجهز عليه بالسيف، وإن قتله خنقا قتل خنقا، وإن سقاه سما اقتص منه، قيل لابن القاسم: كيف يقتل؟ قال: على قدر ما يراه الإمام، والأصل أن يقتل بمثل ذلك فيسقى سما.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك عند محمد: إذا قتل الأول بالنبل أو بالرمي بالحجارة لم يقتل هذا بمثل ذلك; لأنه لا يأتي على ترتيب القتل وحقيقته فهو من التعذيب ولا بالنار; لأنه من التعذيب ولو طرح الأول من جدار أو جبل أو [ ص: 6476 ] على سيف أو رمح أو غيره صرف القود إلى السيف; لأن ذلك قد يخطئ قتله فيصير تعذيبا . وأصل قول مالك أن يستقاد بمثل الفعل الأول ، وهو الذي يقتضيه الحديث، وإن أمكن أن يخطئ، فإن الظالم أحق أن يحمل عليه، وإن كتفه وطرحه في نهر فعل به مثل ذلك وإن طرحه و لم يكتفه، وكان لا يحسن العوم وطرحه عالما بذلك، اقتص منه بمثل ذلك ، وإن قطع يديه ثم رجليه ثم قتله -ولم يكن أراد قتله- قتل على قول مالك ولم تقطع أطرافه، وإن كان يريد قتله ففعل ذلك به ثم قتله بالفور قتل عند ابن القاسم ولم يقطع .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: يقطع ثم يقتل. وقال مالك إذا كان الأول أراد [ ص: 6477 ] المثلة ، وهو أحسن أن يعاقب بمثل ما عاقبه لقول الله -عز وجل-: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به [سورة النحل آية: 126] ، وأرى أنه لو فعل ذلك به بعد القتل فقطع أطرافه لمثل بالآخر بعد القصاص، وقد مثل بقتلى أحد فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: لئن أظفرنا الله بهم لنفعلن ولنفعلن فنزلت: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به فأمر الله تعالى أن يقتص على مثل الأول، ولو قطع أصابعه ثم يده فإن كان القطع الثاني بنية حدثت كان القطع الآخر جاريا، وإن كانت بنية قطع الجميع وفعل ذلك على وجه العذاب كان على الخلاف، فعلى قول ابن القاسم تقطع يده، وعلى قول أشهب تقطع أصابعه ثم يده. [ ص: 6478 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية