باب في الصوم في السفر
ومن سافر سفرا تقصر في مثله الصلاة كان بالخيار بين الصوم أو الفطر، واختلف أي ذلك أفضل؟ فقال في المدونة: الصوم أحب إلي، وقال في مختصر مالك ابن عبد الحكم وفي سماع إن صام فحسن وإن أفطر فحسن، ورأى أنهما سيان، ولم يقدم أحدهما على الآخر، وقال أشهب: الفطر أحب إلي، وهذا ما لم يكن السفر للغزو وقرب لقاء العدو، فإن الفطر أفضل للتقوي على القتال والحرب، وقول عبد الملك بن الماجشون: الأول أحسن، والصوم أفضل إذا لم يكن عدو; لحديث مالك -رضي الله عنه- قال: أبي سعيد الخدري مكة ونحن صيام، فنزلنا منزلا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم..." أخرجه "سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مسلم.
فيه فائدتان: تقدمة الصوم مع الأمن، وتقدمة الإفطار عند الخوف والحاجة للتقوي على الحرب، والأحاديث في صوم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في السفر [ ص: 761 ] كثيرة، ولأن القرآن والآثار تظاهرت بفضل صوم شهر رمضان، وأن الله سبحانه عظم حرمته فكان صوم عينه أولى من صوم غيره، ولأنه لا يختلف أن الإتيان بالفرائض على وجه الأداء أولى من الإتيان بها على وجه القضاء، ولقوله سبحانه: فاستبقوا الخيرات [البقرة: 148] فدخل في ذلك المسارعة إلى الصوم وغيره من القرب، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أخرجه البخاري. "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"
وأما ما روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: فقد أخرج "ليس من البر الصوم في السفر" البخاري أن السبب كان في ذلك أنه رأى رجلا قد ظلل عليه وأجهده الصوم، وزاد ومسلم: قد اجتمع عليه الناس فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل صائم، فقال عند ذلك: "ليس من البر الصوم في السفر". فخرج الجواب على نازلة في عين، فكان مقصورا عليها وعلى مثلها. [ ص: 762 ] مسلم: