الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        واختلف هل يخطب ويستسقي على المنبر؟ فمنع من ذلك في المدونة، وأجازه في المجموعة.

                                                                                                                                                                                        وأما الأمر برد المظالم الآن وإن كان ذلك من الواجب قيل لوجهين:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه يخاف أن يكون ما اقترفوه السبب لمنع الغيث؛ لقول الله سبحانه: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم [الشورى: 30].

                                                                                                                                                                                        والآخر: أن يكون ذلك السبب لمنع إجابة الدعاء; لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "... في الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك" أخرجه مسلم. [ ص: 625 ]

                                                                                                                                                                                        وكذلك ما كان من التباعات لله سبحانه من تضييع صلاة، ومنع زكاة، أو غير ذلك، وندبوا إلى الصدقة والصيام; لأن ذلك قربان يقدمه قبل سؤال حاجته، وأمروا أن يكونوا مشاة متذللين غير متزينين; لأنه صفة سير المذنب إذا أخذ بذنبه وكان يسعى في الفكاك منه، وقال ابن عباس: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الاستسقاء متبذلا متواضعا متضرعا، حتى أتى المصلى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما يصلي في العيد" وهذا حديث صحيح، ذكره الترمذي في مسنده.

                                                                                                                                                                                        وأما تقدمة الصلاة والاستسقاء، فالذي في الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- قدم الاستسقاء ثم صلى، والقياس أن تقدم الصلاة; لأنها من أعظم ما يتوسل به، وتقدم بين يدي الحوائج، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد حاجة توضأ وصلى، ثم سأل، وقال -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء عند الاستخارة: "إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك..." الحديث. [ ص: 626 ]

                                                                                                                                                                                        واستحب أن يكثر الخطيب من الاستغفار; لقوله -عز وجل- في قصة نوح -عليه السلام-: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا [نوح: 10 ، 11].

                                                                                                                                                                                        وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه استسقى فلم يزد على الاستغفار حتى انصرف، وفي هذا أيضا تنبيه: أن إمساك الغيث باكتساب الذنوب، فكان التوسل لنزوله بسؤال غفرانها.

                                                                                                                                                                                        وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اللهم اسق عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت".

                                                                                                                                                                                        وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قلب رداءه في الاستسقاء، وقيل: إنه تفاءل بذلك; لانقلاب الجدب إلى الخصب، والتحويل عند الاستسقاء أحسن; لأنه قبل ذلك غير مستسق، فلم يأت الوقت الذي يسأل فيه ذلك، وليس في الحديث أن الناس حولوا لتحويله، وذلك واسع.

                                                                                                                                                                                        والخطبة بالأرض أصوب وأقرب للتواضع، وهو يوم استكانة وخضوع، فكونه في الأرض أقرب لما يحاول من نفسه. [ ص: 627 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية