الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الصلاة على الميت في المسجد

                                                                                                                                                                                        واختلف في الصلاة على الميت في المسجد بالكراهة والجواز والمنع، فكره مالك ذلك في المدونة، وقال ابن حبيب: لو صلي عليها في المسجد ما كان ضيقا؛ لما روي من الصلاة على سهيل وعمر فيه، وقال ابن سحنون: ترك ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- وخرج في النجاشي إلى المصلى، وقال ابن شعبان: لا توضع الجنازة في المسجد لأنها ميتة، وهذا يقتضي أن يكون ممنوعا؛ لحرمة المسجد; لأنه نجس، وإليه يرجع قول ابن القاسم في كتاب الرضاع في قوله: إن لبن المرأة إذا ماتت نجس لا يحل شربه، فجعله نجسا لنجاسة الوعاء. [ ص: 661 ]

                                                                                                                                                                                        وذهبت عائشة -رضي الله عنها- وغيرها من أزواج النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى جواز الصلاة عليه في المسجد، وأمرت أن يدخل عليها إلى المسجد سعد بن أبي وقاص لتصلي عليه في المسجد، وفي كتاب مسلم: أرسل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يمروا عليهن بجنازة سعد في المسجد فيصلين عليه، ففعلوا فوقفوا به على حجرهن يصلين عليه، فأنكر ذلك بعض الناس، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: "ما أسرع ما نسي الناس ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد" وهذا أحسن، ولو كان نجسا ما أدخله النبي -صلى الله عليه وسلم- المسجد، وفي البخاري: قال ابن عباس: "لا ينجس المسلم حيا ولا ميتا" وقال سعد بن أبي وقاص: لو كان نجسا ما مسسته.

                                                                                                                                                                                        وقيل لعائشة -رضي الله عنها-: يغتسل غاسل الميت؟ فقالت: أوأنجاس موتاكم؟ وليس عدم الحياة يوجب [ ص: 662 ] كون الميت نجسا، ألا ترى أن الشاة تعدم منها الحياة بالذكاة ولا تكون نجسة; لأنها حلال، وتموت حتف أنفها فيكون حكمها أنها نجسة لما كانت محرمة الأكل، فلم يكن عدم الحياة ما يوجب كون الحيوان نجسا، إلا أن يكون عدمه على صفة تمنع الأكل، ويكون رجسا، وتحريم لحوم بني آدم إكرام لهم وتشريف، فكانت حرمته حيا وميتا سواء; لأن حرمة لحمه بعد موته كحرمته قبل، وكذلك النبيذ قبل الشدة طاهر; لأنه حلال، وفي حال الشدة نجس; لأنه حرام، وتزول الشدة فيكون حلالا طاهرا. [ ص: 663 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية