الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الشهيد هل يغسل، أو يكفن أو يصلى عليه

                                                                                                                                                                                        ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بقتلى أحد فدفنوا على هيئتهم ولم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصل عليهم. وقال مالك في الشهيد في المعترك: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه.

                                                                                                                                                                                        ولا خلاف في المذهب في ذلك إذا مات بحضرة القتل بأرض الحرب. واختلف إذا لم يمت بفور القتل، وإذا قتله العدو بأرض الإسلام، وهل يزاد على ما عليه؟ وفيما ينزع عنه؟

                                                                                                                                                                                        فأما حياته بعد القتال، فقال مالك: إن عاش فأكل أو شرب، أو عاش حياة بينة غسل وكفن وصلي عليه، وإن كان إنما هو رمق وهو في غمرات الموت فلا يغسل ولا يصلى عليه. وقال أشهب: إنما ذلك فيمن مات في المعترك فقضى، فأما من حمل إلى داره فمات، أو مات في أيدي الرجال، أو بقي في المعترك حتى مات، فإنه يغسل ويصلى عليه، وقال سحنون: إذا بقي في المعترك وكانت له حياة بينة حتى لا يقتل قاتله إلا بقسامة غسل وصلي عليه، وقال [ ص: 684 ] ابن القصار: إذا عاش يوما أو أكثر فأكل أو شرب غسل وصلي عليه.

                                                                                                                                                                                        فأما قول أشهب فليس بالبين; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل على قتلى أحد وهم سبعون. والغالب أن موتهم مختلف فلم يفرق.

                                                                                                                                                                                        وقد قيل: إن ترك الصلاة عليهم; لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فعلى هذا يكون قول سحنون حسنا; لأنه مات بقتل العدو فدخل بذلك في عموم الآية بخلاف من لم تنفذ مقاتله؛ لإمكان أن يكون مات من غير ذلك، ولأنه لو كان ذلك القتل من مسلم لم يقتل قاتله إلا بقسامة.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إذا أغار أهل الحرب على قرية من قرى المسلمين فدفع المسلمون عن أنفسهم أنه يصنع بهم ما يصنع بالشهداء. وقال في العتبية: إن قتلوهم في منازلهم في غير معترك ولا ملاقاة فإنهم يغسلون ويصلى عليهم، بخلاف من قتل في المعترك، وقال ابن وهب: هم بمنزلة من قتل في المعترك.

                                                                                                                                                                                        وقاله أصبغ قال: وكذلك إن غافصوهم أو قتلوهم وهم نيام، [ ص: 685 ] وكذلك إذا كانت فيهم امرأة أو صبي صغير قتلوا بسلاح أو غيره، يفعل بهم ما يفعل بالشهيد، وقال ابن شعبان: الشهيد من قتل بأرض الحرب خاصة، من الرجال والنساء والصبيان.

                                                                                                                                                                                        فحمل ابن وهب الأمر على عمومه فيمن قتله العدو، وحمل ابن القاسم ذلك فيمن نزل به ما نزل بمن لم يصل عليهم، وأنهم كانوا في ملاقاة، فما خرج عن ذلك بقي على الأصل في الموتى أنهم يغسلون ويصلى عليهم، ولم يفرق بين أن تكون الملاقاة بأرض الحرب أو بأرض الإسلام، وقد كان قتلى أحد بأرض الإسلام وكان العدو هو الزاحف إليهم، وقد صلي على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وكان القاتل له كافرا، فيحتمل أن يكون ذلك; لأنه قتل في غير معترك، أو يكون ذلك; لأنه عاش وأكل وشرب وإن كان قد أنفذت مقاتله، أو يكون لأنهم رأوا أن ترك الصلاة على الشهيد منسوخ؛ لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خرج إلى قتلى أحد قبل موته فصلى عليهم صلاته على الميت. أخرجه البخاري ومسلم.

                                                                                                                                                                                        وسئل ابن عمر عن غسل الشهيد فقال: قد غسل عمر وكفن وحنط وصلي عليه، وكان شهيدا. [ ص: 686 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية