فصل: في صوم يوم الشك
اختلف في صوم يوم الشك على وجه التطوع، وعلى وجه الاحتياط خوفا أن يكون من رمضان، وفي الإجزاء به إن ثبت بعد ذلك أنه من رمضان، فأجاز مالك صومه على وجه التطوع، ومنعه على وجه الاحتياط أن يكون من رمضان.
وقال من شاء صامه ومن شاء أفطره. يريد: يصومه متطوعا. قال: ويكره أن يؤمر الناس بفطره؛ لئلا يظن أنه يجب عليه فطر قبل الصوم كما وجب بعده، وقيل: يكره صومه تطوعا; لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: محمد بن مسلمة: وحمل الحديث على عمومه. "لا تقدموا الشهر بيوم أو يومين..."
وأجازت -رضي الله عنها- عائشة وأسماء صومه على وجه الاحتياط، قالت -رضي الله عنها-: "لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان" وأجاز ذلك عائشة عبد الله بن عمر، في الغيم دون الصحو. [ ص: 776 ] وأحمد بن حنبل
وأرى أن يجوز صومه على وجه التطوع; ولا يجوز على معنى الاحتياط أن يكون من رمضان مع الصحو; للحديث في قوله -صلى الله عليه وسلم-: لقوله -صلى الله عليه وسلم- لأحد أصحابه: "هل صمت شيئا من هذا الشهر - يعني: شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين". ولأن ذلك من الغلو والتعمق في الدين والاحتياط في غير موضع شبهة، ويجوز مع الغيم بل يؤمر به على طريق الوجوب أو الاستحسان، قياسا على الشك في الفجر مع الغيم، فلم يختلف المذهب أنه لا يكره بل يؤمر به على وجه الوجوب أو الاستحسان، ولا فرق بين السؤالين; لأن هذا في الليل بيقين وهو في زمن يجوز فيه الفطر، شاك هل دخل عليه زمن الصوم؟ وهل حرم عليه الأكل؟ وهذا في شعبان بيقين، وهو زمن يجوز فيه الفطر، شاك هل دخل عليه زمن الصوم، وأن يكون السحاب ستر الهلال كما ستر الفجر، والمذهب كله مبني على أنه لا يكره الأخذ بالاحتياط في محرم ومباح، مع وجود الشبهة. "لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين..."
وقد أمر مالك قال: ورأيت أن أحتاط لها فتصلي وليست عليها، أحب إلي من أن تترك الصلاة وهي عليها، فرأى أن تمادي ذلك الدم مشكل هل هو حيض أو استحاضة؟ الحائض يتمادى بها الدم أن تستظهر بثلاث ثم تصلي وتصوم،
وقد كان [ ص: 777 ] الأصل الحيض، ومنع الصلاة والصوم، فأمرها أن تأخذ بالأحوط مع إمكان أن يكون حيضا، والحيض لا تصح معه صلاة ولا صوم تطوعا ولا غيره، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: وهذا يدخل فيه الصوم وغيره؛ ولهذا ذهب بعض أهل العلم أنه يصام بشهادة واحد ولا يفطر به; لأن شهادته لطخ أوجبت شكا. "الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشتبهات، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه..."
ويختلف إذا شك في هلال ذي الحجة مع الغيم، فعلى قول يكمل عدة الماضي ثلاثين، ولا يحتاط للوقوف، وعلى قول مالك يحتاط للوقوف، فيقف يومين على النقص لذي القعدة، وعلى إكمال العدة. ابن عمر
وإذا صامه على وجه الاحتياط ثم تبين أنه من رمضان لم يجزئه عند قال مالك، في مدونته: وهو بمنزلة من صلى الظهر على شك من الوقت لغيم ستره ثم كشف الغيم فعلم أنه صلى في الوقت فلا تجزئه صلاته. أشهب
قال الشيخ -رضي الله عنه-: وليس السؤالان سواء; لأن من شك في وقت الظهر مأمور أن يؤخر حتى لا يشك، ولا يقال له: احتط بتعجيل الصلاة في وقت [ ص: 778 ] يشك فيه، ومن شك في الفجر أو في الهلال مأمور أن يعجل الإمساك، وهو بمنزلة من شك في صلاة هل هي عليه أم لا؟ أو هل أجنب أو لا؟ فصلى أو اغتسل ثم تذكر أن ذلك عليه فإنه يجزئه، وكذلك المرأة يتمادى بها الدم فتحتاط بالصلاة والصوم بعد الاستظهار بالثلاث على أحد قولي مالك، لما كانت على شك هل هي حائض أم مستحاضة أنها تجزئها الصلاة والصوم إن تبين بعد ذلك أنه استحاضة.
وروي عن عطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والثوري، وأصحاب الرأي، فيمن والأوزاعي، أنه يجزئه، وقد قيل فيمن صام رمضان قضاء عن غيره: إنه يجزئه عن الذي هو فيه; لأنه مستحق العين. أصبح صائما يوم الشك غير عالم بالهلال ثم علم في أوله أو آخره