الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في زكاة القراض، وما يزكى منه وهو في يد العامل، أو تؤخر زكاته إلى وقت المفاصلة

                                                                                                                                                                                        ومن عمل بمال قراض; فإنه لا يخلو المال بعد العمل من ستة أوجه: إما أن يكون في ماشية، أو ثمار، أو زرع، أو رقيق، أو عروض وهو مدير أو غير مدير، أو يكون عينا.

                                                                                                                                                                                        فتجب فيه الزكاة وهو عند العامل، وقبل رجوعه إلى يد صاحبه في ثلاثة أوجه: إذا كان في ماشية إبل، أو بقر، أو غنم. وإذا كان في زرع، أو ثمار مما تجب فيها الزكاة، أو رقيق، فيمر يوم الفطر قبل بيعه. وإن كان في عروض وهو غير مدير; لم تجب زكاته; لأنه لو كان في يد صاحبه لم تجب فيه زكاة.

                                                                                                                                                                                        واختلف في المدير، فقال ابن القاسم في كتاب محمد بن سحنون: لا يزكيه إلا عند المفاصلة. وقاله سحنون. وقال ابن حبيب: يزكي الآن، ويخرج زكاة ذلك المال من عنده لا من القراض. وهو ظاهر قول مالك في كتاب محمد.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كان غير مدير والمال عين، فقال مالك وابن القاسم: لا يزكي إلا عند المفاصلة. [ ص: 930 ]

                                                                                                                                                                                        وعلى القول في المدير أنه يزكي قبل المفاصلة، يزكي غير المدير العين; لأن أعلى مراتبه أن يقدر أن ما في يديه من العروض كالعين، ولا يكون نضوض المال عند الحول أدنى رتبة من العروض للإدارة.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يزكي العين الآن; لأن كون المال في يدي العامل لم يخرجه عن ملك ربه، والعامل وكيل له فيه على وجه التنمية، ولا فرق بين أن يوكل من يتجر له فيه بدنانير معلومة، أو بجزء من ربحه، ولم يختلف إذا كان في يد العامل بإجارة، بدنانير معلومة، أنه يزكى قبل رجوعه، ولأنه كان قادرا على أخذه والمفاصلة فيه حينئذ، فلم يكن تركه له باختياره طلبا للتنمية مما يمنع من أخذ ما أوجب الله سبحانه فيه. وقياسا على أخذ الزكاة منه إذا كان في ماشية أو زرع. ولا أعلمهم اختلفوا بعد القول: أنه لا يزكي إلا عند المفاصلة، أن الزكاة تجزئ إذا زكى قبل ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: إذا أخرج الزكاة قبل المفاصلة، أو جهل العامل فزكاه دون رب المال- مضى ذلك ولم يجبر المال إن خسر فيه العامل ما أخرج فيه من الزكاة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: وقد يختلف إذا أخرجها بغير أمر رب المال; لأن رب المال لم ينو زكاة ماله، وقد اختلف فيمن كفر عن غيره بغير إذنه. [ ص: 931 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية