الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في إخراج الزكاة التي في يد العامل]

                                                                                                                                                                                        وإذا كان الحكم أن يخرج الزكاة وهي في يد العامل، فإنه يعتبر في ذلك ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: هل يخرج الزكاة من عين ذلك المال أو يخرجها رب المال من عنده؟.

                                                                                                                                                                                        والثاني: هل يزكي جميع المال أو ما ينوب رب المال دون نصيب العامل؟

                                                                                                                                                                                        والثالث: هل تسقط الزكاة عند المفاصلة من رأس المال، أو تكون مفضوضة عليهما العامل ورب المال، أو تلغى كالنفقة؟ فأما الماشية فتخرج الزكاة عنها منها.

                                                                                                                                                                                        واختلف كيف تكون المحاسبة فيها عند المفاصلة، فقال مالك في المدونة: تكون على رب المال في رأس ماله، ولا شيء على العامل منها.

                                                                                                                                                                                        وقال في المجموعة: يطرح قدرها من رأس المال. وهذا مثل الأول.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: تلغى كالنفقة. وقاله أشهب في [ ص: 932 ] كتاب محمد.

                                                                                                                                                                                        ويجري فيها قول ثالث أنها متى بيعت بربح; فضت الزكاة، وكان على العامل منها بقدر ربحه، وتخرج زكاة الزرع منه، ثم يختلف هل يسقط قدرها من رأس المال، أو تلغى كالنفقة، أو فض عليهما حسبما تقدم في الماشية؟

                                                                                                                                                                                        واختلف في رقيق القراض، فقال في المدونة: على صاحب المال، ولا تخرج من المال. وقال أشهب وأصبغ في كتاب ابن حبيب: تخرج من مال القراض، ثم يكون رأس المال ما بقي بعد إخراجها. وقاسها على الغنم.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: تلغى كالنفقة. وقال أشهب في المدونة: إن بيعوا بربح كان على العامل منها بقدر ربحه; لأنه كان شريكا له يومئذ، وذكره أشهب في كتاب محمد عن مالك.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في زكاة المدير وغيره من العين، هل تخرج منه أو من عند صاحب المال؟ فأما إخراجها من المال; فعلى الأصل في زكاة العين، وقياسا على زكاة الماشية. وقال في كتاب محمد: إذا كان العامل غائبا ببلد بعيد، ولا يدري ما حدث عليه- فلا يزكي حتى يعلم أو يرجع إليه. قال: بمنزلة المدير تجهز إلى [ ص: 933 ] بعض البلدان، فلا يزكيه حتى يرجع إليه، أو يأتيه علمه بالأمر البين، فيزكيه لما مضى من السنين.

                                                                                                                                                                                        فجعل المدير وغيره سواء، أن المال يزكى وإن كان في يد العامل، ويزكيه رب المال من عنده لا من عين ذلك المال.

                                                                                                                                                                                        ولم يختلف المذهب في زكاة العين إذا حضرت للمفاصلة، أنها مفضوضة على رأس المال والربح، وأنه لا يجوز أن تكون زكاة المال على العامل وحده، ولا على رب المال وحده، وإذا كان ذلك نظر في الشاة التي أخذت عن الزكاة، فإن كانت الغنم على حالها حتى بيعت وفيها فضل - كانت الشاة مفضوضة على رأس المال، والربح على حسب ما تقدم في زكاة العين، وإن كانت لا ربح فيها وإنما كان الربح فيما اشترى بها بعد ذلك- كانت الشاة على رب المال، ويحط قدرها من رأس المال، ولا يصح أن تلغى; لأن ذلك يؤدي إلى أن تجعل الزكاة على العامل وحده.

                                                                                                                                                                                        وكذلك في الزرع إذا زكي، ثم بيع بغير ربح أو ربح فيه بعد ذلك، وكذلك الأمر في رقيق القراض، يراعى الربح هل كان في أثمانهم بعد البيع، أو فيما تجر فيه بعد البيع؟. [ ص: 934 ]

                                                                                                                                                                                        وقال محمد فيمن أخذ مائة دينار قراضا، واشترى بها رقاب نخل فأثمرت وطابت، فباع الثمرة بمائة دينار، والأصل بمائة دينار بعد أن حال الحول على العامل، قال: زكاة الثمرة منها، وهو عشرها، أو نصف عشرها، ثم يكون للعامل ربع ثمنها، ولا زكاة عليه فيه; لأن زكاة ذلك قد أخرجت، ثم يكون للعامل ربع ثمن الرقاب; خمسة وعشرون دينارا، وعليه زكاتها نصف دينار وثمن دينار، وعلى رب المال زكاة خمسة وسبعين دينارا.

                                                                                                                                                                                        ولو كان المشتري بالمال اشترى أشجارا مما لا زكاة في ثمرها مثل: الجوز، والتين والرمان، فأثمرت وباع الثمرة بمائة دينار، والأصل بمائة دينار- كان للعامل خمسون، نصفها من الثمرة، ونصفها من الأصل، فما كان من الثمرة فلا زكاة فيه، وما كان من الأصل ففيه الزكاة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية