باب في إخراج الولاة الزكاة ، ومن أخرج زكاة ماله دون الإمام
. والأصل في ذلك قول الله تعالى : تفرقة زكاة العين والحرث والماشية إلى أئمة العدل وإلى من أقاموه لها دون أصحاب الأموال خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [التوبة : 103] . فعم ولم يخص ، وقوله في آية الصدقات : والعاملين عليها [التوبة : 61] ، وهم جباتها . وثبتت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يبعث السعاة والمصدقين لزكاة الحبوب والمواشي . وبعث معاذا إلى وأبا موسى اليمن ، فقال معاذ لأهل اليمن : "ائتوني بخميص أو لبيس ، مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم ، وأنفع لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة" . وبعث ابن اللتبية على الصدقة .
وأما ، ولا يبعث فيها ؛ لأن الوقت الذي تحل فيه زكاة العين مختلف ، وليس كزكاة الماشية . العين فالشأن فيها أن يدفع الرجل صدقته إلى الإمام
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الحديث . [ ص: 1039 ] "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، فهاتوا صدقة الرقة"
وهذا حديث صحيح ذكره . فاقتضى قوله : "هاتوا" دفعها إليه . فإن كان قوم ليس لهم وال ، أو كان غير عدل ، كان إنفاذها إلى أصحاب الأموال ويقومون فيها مقام الإمام . فإن مكنوا منها الإمام إذا كان غير عدل مع القدرة على إخفائها عنه لم تجزئ ، ووجب إعادتها . الترمذي
واختلف ، أو مكنوا منها الإمام إذا كان غير عدل من غير إكراه مع القدرة على إخفائها عنه ، هل يجزئ أم لا ؟ فإن كان لهم إمام عدل وشغل عن البعثة فيها وعن النظر في إخراجها كان لأصحاب الأموال أن يخرجوا زكاة العين والحرث ، وينفذوها إلى مستحقيها ، ولا يحبسوها عنهم ، ولا يخرجوا زكاة الماشية وينتظروا بها الإمام . فإن هم أنفذوها ولم ينتظروه أجزأت ، وفيها اختلاف فقال القاضي إذا أراد أصحابها إنفاذها مع وجود أئمة العدل فيمن أبو الحسن ابن القصار : أجزأت في الأموال الباطنة ، ولم تجزئهم في الأموال الظاهرة ، يريد بالباطنة : العين ، وبالظاهرة : الحرث والماشية . أخرج زكاته مع القدرة ووجود الإمام العدل
وقال محمد : لا أحب ذلك له ، فإن فعل وخفي له ذلك عن الإمام فإنها تجزئ أي صنف كانت .
واختلف إذا لم يعلم ذلك إلا من قوله . فقال : لا يقبل قوله . وقال ابن القاسم : يقبل قوله إذا كان من أهل الصلاح والعدل ، ولا يقبل قوله [ ص: 1040 ] إذا كان من أهل التهم . أشهب
قال الشيخ - رضي الله عنه - : أما إذا كان من أهل التهم ، ولم يعلم ذلك إلا بقوله ، لم يصدق . ولا يختلف في ذلك ، وإنما الخلاف إذا كان مخرجها عدلا أو غير عدل ، فأخرجها ببينة .
فوجه منع الإجزاء ورود النص بجعل ذلك إلى الأئمة ، ولأن فيه حماية وحفظا للزكوات ، وحسما لدخول التأويل ، ولئلا يلحق من ليس بعدل بالعدل ، ووجه الإجزاء : لأن جعل ذلك للأئمة لم يكن لحق لهم فيها ، وإنما هم فيها كالوكلاء يوصلونها إلى من يستحقها . فمن وصلها إليهم أجزأتهم ؛ لأن من له حق قد أخذه . والباطنة والظاهرة في ذلك سواء .
وإذا أجزأت . وقال تخلف السعاة لشغل أو لأمر لم يقصدوا فيه إلى تضييع الزكاة ، فأخرج رجل زكاة ماشيته في كتاب عبد الملك بن الماجشون محمد : لا تجزئ . والأول أحسن . فإذا أجزأت على ما قاله ابن القصار إذا لم يتخلف ؛ لأنها من الأموال الظاهرة ، كان إذا تخلف أحرى في الإجزاء . والقياس أن يخرجها ابتداء من غير كراهية قياسا على زكاة الحرث ، فكلتا الزكاتين كان يخرج إليها العمال . وأيضا فإن الزكاة يتعلق بها حق الأصناف الذين سماهم الله -عز وجل- في كتابه ، والإمام وكيل لهم ، فليس شغل الوكيل مما يمنع من له حق من قبض حقه ؛ لأن في ذلك ضررا لهم . [ ص: 1041 ]
وأما إذا كان الإمام غير عدل ، فدفعت إليه الزكاة كرها ، ولم يقدر على إخفائها ، فإنها تجزئه على قوله في المدونة ؛ لأنه قال : يؤخرها حتى يدفعها إليه . وقال في كتاب مالك محمد وفي المستخرجة : تجزئه ، ثم رجع فقال : لا تجزئه ، وقال : تجزئه ، وإن كان الآخذ لها يأكلها . والأحوط أن يعيد . أشهب
قال الشيخ - رضي الله عنه - : إذا كانت الزكاة غير متعلقة بالذمة كالعين ، والحرث ، وما إليه تمييزه ، فميز زكاته ثم أخذت ، أجزأت عنه ؛ لأنه بنفس تمييزها برئ منها ، وهي وديعة . ولو ضاعت لم يضمنها ، وإن أخذت من جملة ماله قبل أن يميزها لم تجزئه وزكى عن الباقي ، إلا أن يكون الباقي دون نصاب ؛ لأن الظلم على جميعه .
وكذلك الماشية تجب فيها جذعة أو ثنية وهي في الغنم ، فإن ميزها كانت كالعين وأجزأت ، وإن أخذت من الجملة قبل التمييز لم تجزئه وزكى عن الباقي ، إلا أن يكون الباقي دون نصاب ، وإن كانت في الذمة ، كالشاة عن خمس من الإبل وابنة مخاض عن خمس وعشرين ، وليس فيها بنت مخاض ، فأجبر على أن أخذت من ذمته ، لم تجزئه ؛ لأن الغصب على الذمة ليس على الزكاة . [ ص: 1042 ]