الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في زكاة ماشية الخلطاء

                                                                                                                                                                                        ومن البخاري قال أنس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" ، "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" .

                                                                                                                                                                                        ومحمل النهي عن التفرقة والجمع إذا قرب الحول وكان ذلك أضر بالزكاة . قال مالك : وذلك أن يكون ثلاثة نفر لكل واحد منهم أربعون شاة ، فإذا أظلهم الساعي جمعوها ؛ لتكون فيها شاة ، أو يكون لرجلين ، لكل واحد منهما مائة شاة وشاة ، ففيها على الاجتماع ثلاث شياه ، فيفرقانها ليكون عليهما شاتان .

                                                                                                                                                                                        وإذا كان الافتراق أو الجمع غير مضر بالزكاة ، وهو خير للمساكين ، زكيت على ما توجد عليه من جمع أو افتراق .

                                                                                                                                                                                        واختلف في الحديث في أربعة مواضع : أحدها هل محمله على الوجوب ، أو الندب ؟ والثاني : هل هو في الخليطين من غير شركة ، أو في الشريكين ؟ والثالث : الوقت الذي يحملان فيه في التفرقة والاجتماع على الفرار من الزكاة . والرابع : صفة الخلطة التي بوجودها يزكيان زكاة المالك الواحد .

                                                                                                                                                                                        فالمعروف من قول مالك وأصحابه : أن محمل الحديث على الوجوب . فإن فرقا أو جمعا قصدا للفرار زكيا على ما كانا عليه قبل الافتراق والاجتماع . [ ص: 1043 ]

                                                                                                                                                                                        وروي عنه في "مختصر ما ليس في المختصر" فيمن باع إبلا بعد الحول بذهب فرارا من الزكاة : أنه يزكي زكاة الذهب . فعلى هذا يكون محمل الحديث عنده على الندب ؛ لأنه فر قبل الوجوب .

                                                                                                                                                                                        ولو تصدق رجل من ماله بقدر ما يسقط عنه الحج وعلم ذلك ، أو سافر في رمضان إرادة لسقوط الصوم عنه الآن ، أو أخر صلاة حضر حضر وقتها ليصليها في السفر ركعتين ، أو أخرت امرأة صلاة بعد دخول وقتها رجاء أن تحيض ، فحاضت قبل خروج الوقت ، فجميع ذلك مكروه . ولا يجب على هذا في السفر صيام ، ولا أن يصلي أربعا ، ولا على الحائض قضاء ، ويدخل في عموم نهيه عن الافتراق والاجتماع الشريكان والخليطان من غير شركة . واختلف في معنى قوله : "وما كان من خليطين" ، فقيل : المراد الخلطة من غير شركة ؛ لقوله : "فإنهما يتراجعان" .

                                                                                                                                                                                        قال : والشريكان لا يتراجعان .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : ويصح التراجع من الشريكين على أحد قولي مالك : أن الأوقاص غير مزكاة ، فلو كانت الشركة في مائة وعشرين من الغنم : [ ص: 1044 ]

                                                                                                                                                                                        لأحدهما ثمانون ، وللآخر أربعون ، فأخذت منها شاة ، لرجع صاحب الثمانين بقيمة سدس الشاة ؛ لأن الشاة أخذت عن أربعين ، وهو أول نصاب الغنم ، والزائد عفو لم يؤخذ عنه شيء . فلو كانت ثمانين بانفرادها كانت الشاة عن الأربعين ، واجتماعهما كذلك الشاة عن أربعين . فانتفع بسقوط نصف شاة عن كل واحد فالشركة في الشاة المأخوذة أثلاث .

                                                                                                                                                                                        ولأشهب في كتاب محمد فيمن مات وترك زرعا ، قال : إلا ما جاء من ترادد الشركاء والخلطاء في المواشي . فأثبت التراجع بين الشركاء ، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم في الحديث : أنه على الشريكين ؛ لأن الأصل المجتمع عليه في غير الماشية أنه لا يزكي أحد عن ملك غيره .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية