الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن هرب بماشية عن الزكاة

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن هرب بماشيته خمس سنين وهي أربعون شاة ، ثم جاء الساعي وهي بحالها لم تزد ولم تنقص . فقال ابن القاسم : تؤخذ منها شاة ؛ لأنه يبتدئ بأول عام ، والباقي تسعة وثلاثون ، فلا زكاة عليه فيها . وقال أشهب وعبد الملك : يؤخذ منها خمس شياه ؛ لأنه يبتدئ بآخر عام وهي أربعون فيأخذ منها شاة ، وأربعة في ذمته ، والدين لا يسقط زكاة الماشية .

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن ؛ لأن الشاة التي كان الحكم أن تؤخذ أول عام موجودة ، وهي التي غصبت ، ولا تكون في الذمة إلا بإتلاف أو بعد التغير بنقص ، وإن تغيرت بزيادة أخذت بزيادتها ؛ ولو كان ذلك دنانير وهي عشرون دينارا منع زكاتها خمس سنين ، فإن لم يكن له عرض يجعل فيه قدر زكاة الأعوام الفارطة زكاها عن عام واحد ؛ لأن الدين يسقط زكاة العين بخلاف الماشية .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان له عرض لم يحل عليه الحول ، فقال ابن القاسم : يزكى عن أول عام نصف دينار ، وقاله ابن وهب . وعلى القول الآخر : يزكي عن الأعوام كلها إذا كانت قيمة العرض دينارين .

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا صارت الأربعون شاة في العام الخامس ألف شاة [ ص: 1058 ] بفائدة أفادها . فقال ابن القاسم : إنه يزكي شاة واحدة ؛ لأنه يبتدئ بأول عام فيحط الأولى عن النصاب ، وتكون الفائدة إلى دون نصاب ولم يحل الحول على الفائدة فيستأنف بها حولا . وقال عبد الملك وأصبغ : يزكي أربع عشرة شاة يأخذ عشرا عن آخر عام وبه يبتدئ ، وأربع في الذمة . وقال أشهب : يزكي عن الألف للسنين الماضية ، بمنزلة من تخلف عنه الساعي ، وليس هذا بحسن ، وليس على هذا أن يؤدي عن كل عام إلا ما تعدى فيه وغصبه ، لا أكثر من ذلك .

                                                                                                                                                                                        وأما من تخلف عنه الساعي ، فقد قيل : إن ذلك سنة تتبع على حالها ، وليس ذلك لأنه بقياس .

                                                                                                                                                                                        وقد خالف عبد الملك فيمن غاب عنه الساعي وقال : لا يزكي الألف إذا أفادها في العام الخامس إلا عن عام واحد .

                                                                                                                                                                                        ولو هرب بماشيته وهي ألف ووجدها في العام الخامس أربعين ، وقال : لم تزل على ذلك منذ هربت ، وحينئذ كان الهلاك ، لم يقبل قوله وزكيت على ما كانت عليه ، إلا هذا العام فإنه يزكي عنه شاة واحدة ؛ لأنه متهم في قوله لما هرب بها ، والظالم أحق أن يحمل عليه . [ ص: 1059 ]

                                                                                                                                                                                        وإن غاب بها وهي أربعون ، ثم وجدها في العام الخامس ألفا ، فقال : أفدت الزائد على ما كانت عليه في هذا العام ، قبل قوله عند ابن القاسم ، ولم يقبل قوله عند ابن حبيب . والأول أحسن ، ومحمله على ما كانت عليه إلا هذا العام ، ولا يؤخذ بغير ما أقر به . [ ص: 1060 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية