الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في قدر ما يخرج في زكاة الحرث]

                                                                                                                                                                                        والزكاة فيما كان يشرب من عروقه ، أو سيحا ، أو بالعيون ، والأنهار ، أو بعلا بالسماء ، وما أشبه ذلك مما لا يتكلف فيه مؤنة العشر ، فإن كان يسقى بالغرب ، أو بالدالية فنصف العشر ، فحط نصف العشر لمكان ما يتكلف في ذلك من المؤنة بنفسه أو بماله .

                                                                                                                                                                                        والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر" . أخرجه البخاري ومسلم . وقال ابن فارس : العثري الذي يشرب سيحا ، قال : وقيل هو العذي والعذي عنده ما سقته السماء ، وكلا القولين مخالف للحديث ؛ لأنه قد ذكر في الحديث ما تسقيه السماء والعيون ، والعثري غيرهما : وهو ما يشرب بعروقه .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان الشرب بالوجهين جميعا : بالسماء والنضح . فقال مالك في كتاب محمد : إن سقى نصف السنة بالعيون ، ثم انقطع عنه وسقى بالنضح ، [ ص: 1088 ] أخرج نصف زكاته عشرا ، والنصف الآخر نصف العشر ، فإن سقى ثلثي السنة بالعين ، والثلث بالنضح ، جعل القليل تبعا للكثير ، وسواء كان المبدأ القليل أو الكثير . وقال أبو محمد عبد الوهاب : يتخرج فيها قول آخر ؛ أنه يؤخذ من كل واحد منهما بحسابه . قال : وقال ابن القاسم : إنما ينظر إلى الذي يحيا به الزرع ، يريد : الآخر الذي به تم ، كان قليلا أو كثيرا ، وأرى أن ينظر إلى ما كان يرى أنه في ذلك النخل أو الزيتون أو الزرع أولا قبل الثاني ، فإن قيل : عشرة أوسق ، فأصاب بعد ذلك خمسة عشر وسقا ، زكى ثلثيه على الأول ، والثلث على الثاني ، فإن كان الأول هالكا ، ولولا الثاني لم يؤخذ من تلك الثمار شيء صح أن يزكي على الآخر . والقياس أن يراعي الأول ؛ لأن به تم الثاني . ولو انفرد به الثاني ولم يتقدم الأول لم ينتفع بالثاني ، وإن كان لا يعرف قدر ما كان في الثمار قبل الثاني رجع إلى قدر السقي .

                                                                                                                                                                                        وسأل قوم لهم أراض إلى جنبها واد مستقل عنها ، فأنفقوا فيه نفقة كثيرة حتى طلع الماء وصار يسقي تلك الأرض ؛ فرأيت أن يزكوا عن أول عام نصف العشر ، وكذلك ما يكون من النخيل لا ماء له فاكترى له ماء أن يزكي نصف العشر ؛ لأن أكثر الماء ربما يتكلف فيه أكثر مما يتكلف من اكتراء الماء أو استخراجه أو اشتراه فأحيا به زرعه أو ثمرة نخلة في الغرب والدالية ، وإن اشترى الماء ولم يكتر زكى العشر ؛ لأن السقي من باب الغلة ، وقد يبيعه بعد ذلك . [ ص: 1089 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية