الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيما يخرص من الثمار ، وهل يحط من الخرص لمكان ما يأكله من الثمار أصحابها ، أو يعرونه ، وكيف إذا أخطأ الخارص في خرصه

                                                                                                                                                                                        الذي يخرص شيئان ؛ النخل والعنب ، ولا يخرص الزيتون ، ولا الزرع ، ولا ما أشبه ذلك مما ليس بشجر ؛ لأن العادة تقدمت بخرص النخل والعنب ، ولا يكاد يعرف الخرص فيما سواهما ؛ ولأن الشأن في الزهو والرطب والأعناب أن أصحابها يأكلون منها حينئذ . وقال مالك في كتاب محمد : يخرص ليأكلوه كيف شاءوا رطبا أو غيره .

                                                                                                                                                                                        واختلف في الزيتون والزرع يحتاج أهله إلى الأكل منه ، أو كانوا غير مأمونين يخشى أن يكتموا منه ، هل يخرص ، أو يجعل عليه أمين ؟ فقال عبد الملك بن الماجشون : إذا احتاج أهل الزيتون أن ينتفعوا ببعضه وهو أخضر ، وخافوا أن لا يخرصوا كيل ما أخذوا منه مقطعا ، فإنه يخرص عليهم كما تخرص الثمار كلها ، ثم يخرجون زكاته من الزيت .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم : إذا اتهم الإمام قوما بالتقصير فيما يجب عليهم من [ ص: 1090 ] زكاة الزيتون والزرع ، فإنه يوكل من يتحفظ بذلك . والقول الأول أحسن : أن يخرص عليهم إذا وجد من يعرف الخرص في مثل ذلك ، فإن لم يوجد جعل أمين ، فإن احتاجوا إلى شيء لم يمنع أهله من الانتفاع به ، وأحصى عليهم .

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يترك الخارص لأصحاب الثمار لمكان ما يأكلون ، أو يعرون ، أو يفسد ، أو يسقط ، فقال مالك في المدونة : لا يترك لهم لمكان الأكل والفساد شيء .

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن حبيب : يخفف لانتفاعهم وما ينالون منه في رءوس النخل ، قال : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالتخفيف للواطئة ، والساقطة ، واللاقطة ، وما ينال العيال . وقال أبو محمد عبد الوهاب : وعن مالك في تخفيف الخرص وترك العرايا والثنايا روايتان ؛ إحداهما : أنه يترك لهم ما يأكلون وما يعرون ، والصواب أن يترك لهم لمكان ما يفسد وما يذهب من غير سببهم ، وما يلتقطه غيرهم ، وما يأكله المارة ، وأما ما يأكلونه أو يعرونه فلا يترك لهم على القول : إن الزكاة تجب بالطيب . وأما من قال : لا تجب إلا باليبس أو الجداد فيترك لهم ذلك ؛ لأنهم الآن لم يجب عليهم شيء ، وأكلهم الآن وهباتهم إنما تقع فيما لم تجب فيه الزكاة . [ ص: 1091 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية