باب في غسل الدم وغيره من النجاسات
وقال في " المدونة" في مالك فإنه يمضي على صلاته ولا ينزعه، ولو نزعه لم أر به بأسا. فإن كان دم كثير نزعه واستأنف الصلاة بإقامة . الرجل يصلي وفي ثوبه دم يسير من دم حيضة أو غيرهما ثم يراه وهو في الصلاة:
قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: على المصلي أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بجسد طاهر وثوب طاهر في موضع طاهر، ولا خلاف في ذلك، وقد ثبتت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك، فأمر بغسل المذي لحديث المقداد ، وبغسل المني لحديث عمر أنه ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تصيبه الجنابة من الليل؟ فقال له: . " توضأ واغسل ذكرك ثم نم"
وبغسل دم الحيض من الثوب بحديث أسماء ، ومر - صلى الله عليه وسلم - على قبرين فقال: أي: لا يتوقاه. وقيل: المعنى: لا يستتر من الناس، والأول أحسن; لأن الأول حقيقة لقوله: " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر [ ص: 106 ] فكان لا يستبرئ من البول" ، والثاني مجاز وخروج عن النص. وجميع هذه الأحاديث اجتمع عليه الصحيحان " " لا يستبرئ منه" البخاري وقال الله -عز وجل- ومسلم; إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم [التوبة: 28] ، فجعل العلة في منعهم المسجد لأنهم في معنى النجس.
قال قتادة: الأنجاس: الأخباث .
إذا منع موضع الصلاة من النجاسة كان منع الصلاة أولى، وأجمع أهل العلم على أن على المصلي ألا يتقرب إلى الله – عز وجل - بالنجاسة.
واختلف بعد ذلك في إزالة النجاسة على ثلاثة أقوال:
فذهب إلى أن ذلك فرض مع الذكر ساقط مع النسيان، فإن مالك أعاد أبدا، وإن كان ناسيا أعاد في الوقت . صلى بنجاسة متعمدا
وقال : يعيد أبدا ناسيا كان أو متعمدا . وجعل ذلك فرضا مع الذكر والنسيان. ابن وهب
وقال : لا إعادة عليه إلا في الوقت ناسيا كان أو متعمدا . ورآه [ ص: 107 ] سنة، والأول أحسن، فيعيد إذا كان ذاكرا وإن ذهب الوقت; للقرآن والحديث والإجماع ، ولا يعيد إذا ذهب الوقت وكان ناسيا، للحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشهب . فاجتزأ بالماضي لأنه كان غير عالم، فكذلك يجزئ جميعها إذا علم بعد الفراغ. " أنه كان في الصلاة، فخلع نعليه لنجاسة فيهما، فأتم الصلاة"
واختلف فيمن فقال رأى في ثوبه نجاسة وهو في الصلاة، في " المدونة" : يقطع وينزع الثوب ويستأنف الصلاة . والقطع على أصله استحسان; لأنه يقول: إذا لم يعلم حتى فرغ من صلاته أنه يعيد ما دام في الوقت . وهذا استحسان. مالك
وإذا كان ذلك الماضي من صلاته جازئا، فإعادته استحسان.
وقال في " المبسوط" : إن كان يستطيع نزعه نزعه ومضى على صلاته، وإن كان لا يستطيع نزعه أو كانت النجاسة في جسده قطع.
وقال : إذا كان يستطيع نزعه نزعه وإلا [ ص: 108 ] تمادى وأعاد. عبد الملك بن الماجشون
وقال في " مدونته" : إذا خرج لغسل النجاسة من ثوبه أو بدنه ثم بنى أجزأه قياسا على الراعف . أشهب
والقول: إنه ينزعه ويبني، أحسن، للحديث: . " أنه خلع نعليه وأتم"
وذهب أحمد بن المعذل إلى قول أشهب أن الإعادة عليه ما دام في الوقت، قال: لأنه لو حضرته الصلاة ولم يجد إلا ثوبا نجسا وخاف فوات الوقت صلى فيه. واختاره على تأخيرها ليصليها في ثوب طاهر.
قال: ولو أن رجلين تعمدا فصلى أحدهما في الوقت بثوب نجس، وهو ذاكر قادر على غيره، وأخر الآخر الصلاة وهو ذاكر حتى خرج الوقت وصلاها بثوب طاهر ما استوت حالاتهما عند ولا قربت، فيعيدها الأول ليأتي بأكمل منها ، وإن خرج الوقت لم يعد؛ لأنه يأتي بأنقص. مسلم
قال الشيخ -رحمه الله-: واختلف بعد القول إن الإعادة في الوقت- هل ذلك الوقت المختار أو الضروري؟ فقيل: هو الوقت المختار، فيعيد الظهر والعصر ما لم تصفر الشمس.
وقال في " المبسوط" وعند مالك النهار كله في ذلك وقت إلى غروب الشمس، والليل كله إلى طلوع الفجر. ابن حبيب:
وقد يحمل هذا على القول أنه غير مؤثم إذا أخر إلى مثل ذلك متعمدا، ومن قال: إنه مؤثم، أعاد العصر ما لم تصفر الشمس، وينبغي أن يعيد الظهر ما لم تخرج القامة أو [ ص: 109 ] لمقدار أربع ركعات من الثانية; لأنه الوقت المختار وهو نظير الاصفرار في العصر، وكذلك في صلاتي الليل يعيد المغرب ما لم يغب الشفق والعشاء ما لم يذهب نصف الليل، ولا وجه لقول من قال: يعيد إلى طلوع الفجر; قال: لأن جميع الليل وقت للنفل بخلاف النهار; لأن النفل بعد الاصفرار مكروه.
وليس ذلك بالبين; لأن الإعادة لم تكن لأنها نفل، وإنما كانت ليأتي بالفرض بأكمل منه أولا.
وقال : إذا ابن حبيب فإنه يعيد وإن ذهب الوقت; لأنه حين أبصرها انتقضت صلاته، وكذلك إذا ذكرها بعد الفراغ وقبل خروج الوقت ثم نسي الإعادة حتى خرج الوقت أنه يعيد وكلا القولين بعيد; لأن القطع إذا ذكره وهو فيها وهو قادر على طرح الثوب استحسان، وقد قال أبصر النجاسة في ثوبه فلما هم بالانصراف نسي وأتم صلاته، يخلعه ويمضي، وكذلك الإعادة إذا ذكرها بعد الفراغ، وفي الوقت الإعادة استحسان. مالك: