الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في زكاة الثمار المحبسة والماشية والعين

                                                                                                                                                                                        قال مالك : تؤدى الزكاة عن الحوائط المحبسة في سبيل الله ، وعلى قوم بأعيانهم ، أو بغير أعيانهم ، وعن الإبل المحبسة في سبيل الله يحمل عليها أو على نسلها ، وعن الدنانير المحبسة في سبيل الله لتسلف ، وما كان ليفرق من الدنانير والإبل والبقر والغنم ، فحال عليها الحول قبل أن تفرق ، لم تؤخذ منها زكاة .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : أما الحوائط فتؤخذ منها الزكاة . ويفترق الجواب في النصاب ، فإن كان الحبس على قوم بأعيانهم ، وكانوا هم يسقون ويلون ذلك ، نظر إلى ما ينوب كل واحد منهم ، فمن بلغ نصيبه خمسة أوسق زكاه ، ومن كان نصيبه دون ذلك لم يزكه ؛ لأنها طابت على أملاكهم ، وسواء كان الحبس شائعا أو لكل واحد منهم نخل بعينها . فإن كان ربها يسقي ويلي النظر لها ، ويقسم الثمرة ، زكيت إذا كان في جملتها خمسة أوسق ، وإن كانت دون ذلك وكان لصاحب الحبس نخل لم يحبسها ؛ فإذا أضافها إلى الحبس بلغت خمسة أوسق زكيت بجميعها ، وإن كانت حبسا على غير معينين ، أو في سبيل الله زكيت إذا كان في جميعها خمسة أوسق . [ ص: 1099 ]

                                                                                                                                                                                        وإن كان الحبس على مسجد أو مساجد زكيت على ملك المحبس ، فإن كان في جملتها خمسة أوسق زكيت ، وإن لم ينب كل مسجد إلا وسق وإن مات المحبس زكيت على ملكه لو كان حيا ، وعلى هذا المذهب : أنها تزكى على ملك المحبس . وقال طاوس ومكحول فيما حبس على المساكن : لا زكاة فيه ، وهذا هو القياس ؛ لأنه إن قدر أنه باق على ملك المحبس لم تجب فيه زكاة ؛ لأن الميت غير مخاطب بزكاة ، وإن حمل على أن ملكه سقط عنه لم تجب فيه زكاة أيضا ؛ لأن المساجد غير مخاطبة بالزكاة ، وحوزها للمسجد كحوزها للعبد إذا كان صغيرا ، أو حوز العبد لنفسه إذا كان كبيرا ؛ وإنما استسلم مالك في هذا للعمل ، ليس لأنه القياس .

                                                                                                                                                                                        وأما الدراهم تحبس لتسلف ، فإنها لا تزكى إذا أسلفت وصارت دينا حتى تقبض ؛ فإذا قبض منها نصاب زكي ، وسواء كان الحبس على معينين أو مجهولين ، وإذا كانت في ذمة المتسلف زكى عنها من هي في ذمته ، إذا كان له ما يوفي بها كسائر الديون ، وإن قبضت زكيت على ملك المحبس لعام واحد .

                                                                                                                                                                                        وإن كان الحبس إبلا أو غنما لينتفع بألبانها وأصوافها زكي جميعها على ملك المحبس إذا كان في جميعها نصاب ، وسواء كان الحبس على مجهولين أو معينين ، فإن حبس أربعين شاة على أربعة نفر ، لكل واحد منهم عشرة بأعيانها ، زكيت لأنه إنما أعطى المنافع ، والرقاب باقية على ملكه ، وهذا بخلاف حبس النخل ؛ لأن النخل لا زكاة في رقابها ، وإنما الزكاة في الثمار وهي المعطاة ؛ فيصح أن تزكى على ملكهم ، والغنم غير معطاة فزكيت على ملك المحبس ، وإن [ ص: 1100 ] حبسها ليؤخذ نسلها كانت الزكاة في الأمهات على المحبس ، ثم ينظر في الأولاد فإن كان الحبس على معينين لم تزك الأولاد مع الأمهات ؛ لأن الولادة على ثلاثة وجوه :

                                                                                                                                                                                        إما أن يكون قبل تمام الحول ، فقد خرجت عن ملك صاحبها قبل الحول ، فلم يصح أن تضم إلى الأمهات ، أو بعد تمام الحول وقبل مجيء الساعي ، فهي في معنى ما لم يحل عليه الحول ؛ لأنه لو باعها حينئذ لم تجب فيها زكاة الماشية ، وإن أتى الساعي وهي حوامل فولدت بعد ذلك فهي محسوبة من العام الثاني ، وقد خرجت عن ملكه بالعطية ، فلا زكاة فيها إلا على من صار له من المعينين نصاب ، وحال عليه الحول من يوم الولادة .

                                                                                                                                                                                        وإن كان الحبس على مجهولين لم تجب فيها زكاة على قول ابن القاسم ، فإن جعل شيئا من ذلك في سبيل الله ليفرق وليس حبسا فلم يفرق حتى حال عليه الحول ، فإن كانت دنانير لم تجب فيها زكاة ، واختلف في الماشية فقال ابن القاسم : لا زكاة فيها . وقال محمد : فيها الزكاة ، قال : وكذلك النخل ، وفرق بينها وبين العين ؛ لأن النماء في هذه موجود في حال الوقف بخلاف الدنانير . [ ص: 1101 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية