الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل لا يطوف جنبا ولا بغير وضوء

                                                                                                                                                                                        ولا يطوف جنبا ، ولا بغير وضوء . واختلف إذا فعل ، فقال مالك وابن القاسم : لا يجزئه ، وهو بمنزلة من لم يطف ، يرجع وإن بلغ بلاده . وإن أصاب النساء في عمرة أفسدها ، فيطوف ويسعى ويحل ، ويلبي بعمرة أخرى . وكذلك إذا كان في حج وطاف طواف الإفاضة بغير وضوء- توضأ ، ثم يأتي بعمرة أخرى . وإن كان ذلك في طواف القدوم ، ثم لم يذكر حتى أصاب النساء- كان بمنزلة من لم يطف للإفاضة ؛ لأن السعي الذي كان حين قدم بطل ببطلان الطواف الذي قبله . وقد كان عليه أن يأتي بالسعي إذا طاف طواف الإفاضة ، فإذا لم يفعل توضأ وطاف وسعى ، ثم يحل ، ثم يأتي بعمرة .

                                                                                                                                                                                        وقال المغيرة فيمن طاف بغير وضوء : يعيد ما كان بمكة ، فإذا أصاب النساء وخرج إلى بلده أجزأه ، ولا شيء عليه .

                                                                                                                                                                                        وأما السعي بين الصفا والمروة فلم يختلف المذهب أنه يصح ، وإن كان جنبا ، أو على غير وضوء . وقد قيل : الأصل في وجوب الطهارة للطواف حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : "أول ما بدأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم مكة أنه [ ص: 1181 ] توضأ ثم طاف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة" . وقالت : "قدمت مكة وأنا أحيض ، فلم أطف بالبيت . . ." الحديث .

                                                                                                                                                                                        وكلا الحديثين محتمل ، ويحتمل أن يكون وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - للطواف ، والصلاة ، ويحتمل أن يكون للصلاة ؛ لأن عقب الطواف صلاة ، ومحتمل أن يكون ذلك للطواف على وجه الاستحسان ؛ لأنه تيمم لرد السلام . ويحتمل حديث عائشة -رضي الله عنها- في امتناعها من الطواف أن يكون ذلك للطواف ، أو لأجل الصلاة التي بعقب الطواف أو لحرمة المسجد ؛ لأن الحائض لا تدخله .

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن طاف بثوب نجس ، فقال ابن القاسم : لا إعادة عليه ، وهو بمنزلة من صلى ، ثم ذكر بعد خروج الوقت . وقال أشهب : يعيد .

                                                                                                                                                                                        وإن صلى الركعتين بثوب نجس لم يعد على أصل ابن القاسم أنه بالفراغ [ ص: 1182 ] بمنزلة ما خرج وقته . وفي كتاب محمد : يعيد ما دام بمكة ، فإن خرج إلى بلده أجزأه ولم يعدهما ، وبعث بهدي .

                                                                                                                                                                                        وليس هذا بالبين . وأرى أن يعيد إذا كان بمكة ما لم تخرج أيام الرمي ؛ لأنه في ذلك مؤد غير قاض .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا خرجت أيام الرمي ، ولم يخرج شهر ذي الحجة هل يعيد ، أم لا ؟ فإن خرج شهر ذي الحجة لم يعد ؛ لأن الركعتين تابعتان للطواف ، فلا شيء عليه في الموضع الذي يكون فيه مؤديا لا قاضيا . فإذا أخر الطواف حتى يصير قاضيا ، وعليه الدم ، كان قضاء الركعتين على مثل ذلك .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية