باب فيما يحرم على المحرم من الوطء واللباس والصيد وغيره
الإحرام يمنع الرجل خمسة عشر شيئا :
الوطء وإن لم يكن إنزال ، والإنزال وإن لم يكن وطء في الفرج ، وعقد النكاح لنفسه ولغيره ، والخطبة ، ولبس المخيط ، وتغطية الرأس ، ولبس الخفين أو الشمشكين مع القدرة على النعلين ، وحلق الرأس وغيره من البدن ، وقص الأظفار ، وإزالة الشعث عن جميع الجسد الرأس وغيره ، والطيب ، والاصطياد ، وقتل الصيد وإن كان قد صاده غيره ، وإمساكه وإن كان قد صاده قبل ذلك ، وقتل القمل .
والمرأة مساوية للرجل في ذلك سوى ثلاث : لبس المخيط ، وتغطية الرأس ، ولبس الخفين .
والأصل في منع الوطء : قول الله تعالى : فلا رفث . . . الآية [البقرة 197] .
وفي الحلاق : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [البقرة : 196] . وفي الاصطياد : قوله تعالى : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما [المائدة : 96] ، وفي قوله تعالى : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم . . . [المائدة : 95] ، ومن السنة : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ، ولا يخطب" ، وقال : "لا يلبس المحرم القميص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الأخفاف إلا ألا يجد نعلين ، فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا يلبس شيئا مسه ورس ولا [ ص: 1286 ] زعفران" . فتضمن منع المخيط وتغطية الرأس والرجلين والتطيب .
وقال في الذي وقصت به راحلته : "لا تخمروا وجهه ولا رأسه" . فمنع تغطية الوجه . وقال لكعب بن عجرة : "أتؤذيك هوامك" ؟ قال : نعم . قال - صلى الله عليه وسلم - : "احلق ، وانسك بشاة ، أو أطعم ستة مساكين ، مدين مدين لكل مسكين ، أو صم ثلاثة أيام" وقال : "لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين" .
فيفسد الحج التقاء الختانين فما بعد وإن لم ينزل ، والإنزال وإن لم يصب في الفرج ، وسواء كان عالما بتحريم ذلك أو جاهلا أو ناسيا . وإن كان الإنزال على أمر الغالب أن ينزل منه ، أو متردد هل يكون أم لا ؟ أفسد . وإن كان الغالب ألا ينزل فأنزل لم يفسد حجه ، وعليه الهدي . فإن حركته دابته فأدام حتى أنزل أفسد . فإن رهقه ولم يستدم لم يفسد وأهدى . وكذلك المرأة تحركها دابتها ، فتجد اللذة وتستديم حتى تنزل ؛ فقد أفسدت .
وقال في محرم أو محرمة عبثا بأنفسهما حتى أنزلا : أفسد ، وإن قبل ، أو [ ص: 1287 ] باشر ، أو ضم أهله فأنزل أفسد . واختلف في النظر والتذكر إذا كرر فأنزل ، فقال مالك : أفسد حجه . وروى أشهب عنه : ألا شيء على من تذكر حتى أنزل ، ويهدي .
وقال محمد : رواية ابن القاسم أحب إلينا إذا أدام ذلك وكرره . قال : وكذلك النظر .
يريد : إن كرر أفسد عند ابن القاسم ، ولم يفسد عند أشهب .
ولم يختلفا إذا لم يكرر النظر ولا التفكير فأنزل ألا يفسد ، وعلى هذا : إذا قبل امرأة أو غمز ، وشأنه ألا ينزل عند ذلك فأنزل ؛ ألا يفسد .
وفرق مالك بين الصوم والحج ، فقال فيمن نظر ، أو تفكر ولم يدم فأنزل : عليه القضاء ، ولا كفارة عليه . وإن أدام ذلك ؛ كان عليه القضاء والكفارة .
وقال في الحج : إذا لم يدم لم يفسد . ولا فرق بين الموضعين ، فإما أن يقال للجميع : ألا شيء عليه أو أن ذلك عليه ، إلا أن يحمل قوله في قضاء الصوم على الاستحسان ولا شيء عليه في الجميع فيستخف قضاء الصوم ليسارته . [ ص: 1288 ]
ومن أصاب محرمة طائعة أو مكرهة ، زوجته كانت أو غيرها أفسد حجها ، وعليه أن يحجها من ماله بعد إحلالها من هديه . قال محمد : فإن ماتت قبل أن يحجها أهدى عنها . ولم يجعل عليه أن يغرم نفقة العام الذي أفسد عليها .
قال مالك : وإن طلقها وتزوجت غيره ؛ فعلى الزوج الآخر أن يأذن لها . وقال فيمن أحرمت أمته بإذنه ، ثم أكرهها : عليه أن يحجها ، ويهدي عنها ، وإن باعها قبل ذلك كان عيبا ترد به ، إلا أن يتبرأ منه . وعلى قول سحنون لا يجوز البيع ؛ لأن المشتري يجبر على أن يدعها تحج القضاء ، فكان بيعا في تحجير ، إلا أن يفلس البائع .


