الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في فدية الأذى وأين يخرج

                                                                                                                                                                                        فدية الأذى ثلاثة أصناف حسب ما ذكر الله تعالى في كتابه : صيام أو صدقة أو نسك . يفتدي بأي ذلك أحب ، وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - : قدر الصدقة والصيام وما يجزئ من النسك ، فقال لكعب بن عجرة : "صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك بشاة" قال مالك : وله أن يفعل ذلك بحيث يشاء من البلاد . فجعلها على التراخي . وعلى القول أن الأوامر على الفور : يكون عليه أن يأتي بها بمكة ، ولا يؤخرها لرجوعه .

                                                                                                                                                                                        فإن وجبت عليه الفدية قبل الوقوف ، وأحب أن يكفر بالصيام ؛ صام قبل وقوفه . واختلف إذا أخر الصوم حتى إذا وقف ، ووجبت عليه بعد الوقوف ، هل يصوم أيام الرمي ؟ فأباح ذلك في المدونة ، وكرهه في كتاب محمد ، ورأى أنها أيام منهي عن صيامها ، فلا يصوم فيها إلا الثلاثة من العشرة ، لورود النص فيها بذلك .

                                                                                                                                                                                        وقال في النسك : ليس عليه أن يقلده ولا يشعره ، إلا أن يحب أن يجعله هديا . وهذا على أصله أنها على التراخي . والاستحباب : أن يعجل ذبحه [ ص: 1302 ] إن كان وصل إلى موضعه ، ولا يؤخره ليبعثه ، ويجعله هديا . وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا يجزئ النسك إلا بمكة . ورأيا أنه دم وجب عن أمر تعلق بحج أو عمرة ؛ فوجب أن يراق بتلك المواضع مثل غيره مما وجب عن الحج . وقال الشافعي في الطعام مثل ذلك ؛ أنه يطعم بمكة . وهذا يحسن على القول أنه على الفور ، وليس له إن خرج عن مكة ووصل إلى بلاده أن يؤخر إخراجه حينئذ . وقال مالك : يطعم مدين مدين لكل مسكين من طعام ذلك البلد وإن كان عيشهم الشعير أطعم منه مدين مدين .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : إن أطعم من الذرة نظر مجزأه من القمح ، فيزيد من الذرة قدر ذلك .

                                                                                                                                                                                        وليس هذا بالبين ، ولا يصح أن يجعل القمح أصلا ، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدين لكل مسكين .

                                                                                                                                                                                        وغالب أقواتهم حينئذ التمر . وفي كتاب أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بثلاثة آصع تمر . فالتمر الأصل ، ومدان من تمر قوت الرجل في يومه بين غدائه وعشائه ، والكفارة عن العمد والخطأ والنسيان . ومن اضطر إلى ذلك ففعله لوجه جائز عن ضرورة سواء . ولا يجوز لأحد أن يأتي ذلك اختيارا ويكفر ؛ لأن ذلك انتهاك لمحارم الله تعالى . [ ص: 1303 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية