الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن يجوز قتله ، أو يمنع في حين القتال أو بعده

                                                                                                                                                                                        ويقتل في حين القتال كل من نصب للقتال من الرجال ، وإنما يفترق الأمر فيهم بعد الأسر والغنيمة .

                                                                                                                                                                                        وأما الصبيان فإن كان قتالهم بالسلاح وبما يضر ، ولم يقدر على أسرهم ؛ فيقاتلوا ليقتلوا .

                                                                                                                                                                                        وإن كان قتالهم بغير سلاح كالرمي بالحجارة وما أشبه ذلك ، ولم يكن لفعلهم ذلك نكاية ؛ فيعرض عنهم لغيرهم ، أو يقاتلوا قتالا يكفهم ، ولا يؤدي إلى قتلهم .

                                                                                                                                                                                        وأما من كان من الرجال ولم ينصب لقتال كالفلاحين وما أشبههم يؤخذون في أعمالهم ، والشيخ الكبير والزمن ؛ فأرى أن يؤسروا ولا يقتلوا ؛ لأن قتلهم مختلف فيه ، فيؤخر أمرهم ؛ حتى يرى الإمام فيهم رأيه .

                                                                                                                                                                                        ولا يعرض للرهبان في الصوامع والديارات خارج المدينة بقتل ولا بأسر .

                                                                                                                                                                                        والأسارى خمسة :

                                                                                                                                                                                        أحدها : الرجال المقاتلة .

                                                                                                                                                                                        والثاني : الأجراء والحراثون .

                                                                                                                                                                                        والثالث : الشيخ الكبير .

                                                                                                                                                                                        والرابع : النساء والصبيان .

                                                                                                                                                                                        والخامس : الزمنى ؛ كالأعمى والمريض والأعرج والمقعد والمجنون . [ ص: 1351 ]

                                                                                                                                                                                        فأما الرجال المقاتلة ؛ فالإمام مخير فيهم بين خمسة أوجه : القتل والجزية والاسترقاق والمن والفداء ، وكل هذا التخيير فموكول إلى اجتهاد الإمام .

                                                                                                                                                                                        فأما من كانت منه نكاية ، وكان قد قتل في المسلمين ؛ فأرى أن تشفى صدور المؤمنين بقتله ، وإن كان استحياؤهم واسترقاقهم غير محرم .

                                                                                                                                                                                        وكذلك إن كان لا تؤمن غائلته إن استحيي ، وأن يفر إلى موضعه ، أو يصير عينا على المسلمين ؛ فقتله أحسن .

                                                                                                                                                                                        ومن لم تتقدم له نكاية ، وأمنت غائلته ؛ فاسترقاقه أو الجزية فيه أحسن ، والقتل غير محرم .

                                                                                                                                                                                        وأما المن ؛ فيحسن في كل من يرجى برده صلاح ، أو كسر شوكة ، أو ما أشبه ذلك .

                                                                                                                                                                                        وأما الفداء ؛ فيحسن بمن لا يعرف بالشجاعة ، وقد اختلف فيه .

                                                                                                                                                                                        وإذا أسقط الإمام عن الأسير القتل ، وأبقاه ليرى فيه رأيه في أحط الوجوه الأربعة مما سوى القتل ؛ لم يجز أن يقتله بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                        وإن من عليه ؛ لم يجز له أن يحبسه عن الذهاب إلى بلده ، إلا أن يكون قد اشترط عليه أن يبقى لتضرب عليه الجزية .

                                                                                                                                                                                        فإن أبقاه للجزية ؛ لم يجز له أن يسترقه ، ويجوز أن يفادي به برضاه .

                                                                                                                                                                                        وإن أبقاه على وجه الاسترقاق ؛ جاز أن ينتقل معه إلى الجزية والمن والفداء ، وإن أبقاه للفداءة لم يجز نقله للجزية ولا للرق إلا برضاه .

                                                                                                                                                                                        والتخيير في الخمسة الأوجه يصح في أهل الكتاب ، ويختلف في المشركين . [ ص: 1352 ]

                                                                                                                                                                                        فمن أجاز أخذ الجزية منهم ؛ كان مخيرا فيهم حسب ما تقدم في أهل الكتاب . ومن منع أخذ الجزية منهم يكون مخيرا في ثلاثة أوجه ؛ المن والفداء والقتل . واختلف في الاسترقاق . فقال ابن القاسم : يسترق العرب جملة . ولم يفرق بين كتابي ولا غيره .

                                                                                                                                                                                        وقول ابن وهب : إنهم لا يسترقون .

                                                                                                                                                                                        وهو أقيس ، وإنما يسترق ويبقى على الكفر من كان يصح بقاؤه على ذلك مع الجزية .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية