الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الخلاف في قتل الأجراء والحراثين]

                                                                                                                                                                                        واختلف في الأجراء والحراثين .

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم في كتاب محمد : رأيت مالكا يفر من قتل من لا يخاف من مثله ؛ كالشيخ الفاني ، وأهل الصناعات والفلاحين .

                                                                                                                                                                                        قال عبد الملك ابن الماجشون : وكذلك الصناع بأيديهم ، وكل من لم يكن من مقاتلتهم ، وإنما يجلبون ليكثر بهم ، وللعمل .

                                                                                                                                                                                        وبهذا أخذ ابن حبيب ، وذكر الحديث في النهي عن قتل العسيف وهو الأجير . [ ص: 1353 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب : روي النهي عن قتل الأكارين وعن الحراثين . قال سحنون : لم يثبت النهي عن قتل العسيف . وقال : وهو وغيره سواء . قال : ونحن نرى قتل الحراث ببلد الحرب .

                                                                                                                                                                                        وقول مالك أحسن ؛ لأن هؤلاء في أهل دينهم كالمستضعفين ، ويمكن أن لو كانوا منفردين عنهم لاختاروا أن يعطوا بأيديهم ، فلا يجري عليهم حكم من عاند .

                                                                                                                                                                                        وأما الشيخ الكبير ؛ فلا يقتل ، إلا أن يعلم أنه ممن له الرأي والتدبير على المسلمين . .

                                                                                                                                                                                        وأما النساء والصبيان ؛ فالإمام مخير فيهم بين ثلاثة أوجه : المن والفداء والاسترقاق .

                                                                                                                                                                                        ويسقط عنهم شيئان : القتل والجزية .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قاتلا قبل الأسر ، فقال سحنون : لا تقتل المرأة وإن قاتلت ، إلا في حال القتال ، ولا تقتل بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                        وهذا لظاهر الحديث في النهي عن قتلهن ؛ ولأن ذلك من حسن نظر المسلمين أن يتركن لينتفع بأثمانهن ؛ لأنه لا يخشى منهن من بعد الأسر . وعلى [ ص: 1354 ] قوله : لا يقتل الصبي بعد الأسر ، وإن تقدم منه قتال قبل ذلك .

                                                                                                                                                                                        وفي العتبية من سماع يحيى بن يحيى ، قال : قتلهما حلال ، كما كان يحل ذلك منهما في حال القتال وقبل الأسر .

                                                                                                                                                                                        وهذا لقوله - صلى الله عليه وسلم - في المرأة التي قتلت : "ما كانت هذه تقاتل" .

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد : إن كانت قتلت ؛ قتلت الآن ، وكذلك المراهق من الصبيان .

                                                                                                                                                                                        ورأى أن قتالهما ليس بقتال ، إلا ممن ظهر منه القتل .

                                                                                                                                                                                        قال ابن حبيب : إلا أن يرى الإمام استحياءهما ، كما يستحيي من شاء من الأسارى . يريد : وإن كان قتل .

                                                                                                                                                                                        وقول سحنون في هذا أحسن . ولا أرى أن يقتل منهم أحد ؛ لأن كل [ ص: 1355 ] هؤلاء لا يخشى منهم بعد الأسر ، فاستبقاؤهم مالا أصوب . وهو في الصبي أبين ؛ لأنه ممن لا يخاطب بالشرع ، مع أن الغالب فيمن صار إلى ملك المسلمين ممن لم يبلغ أنه مع المقام يعود إلى الإسلام .

                                                                                                                                                                                        فيجب أن يرجأ أمره ليدخل في الإسلام ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - : "لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم" .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية