الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في أنواع ما يغنم في الحرب وما يفعل به]

                                                                                                                                                                                        والمأخوذ من الغنيمة على سبعة أوجه : الأموال والرجال والنساء والصبيان والأرضون والأطعمة والأسلاب والأنفال .

                                                                                                                                                                                        فأما الأموال ؛ فتقسم على السهمان أخماسا بالقرآن .

                                                                                                                                                                                        وأما الرجال ؛ فالإمام مخير فيهم بين خمسة أوجه : المن والفداء والقتل والجزية والاسترقاق .

                                                                                                                                                                                        فأي ذلك رأى حسن نظر فعله .

                                                                                                                                                                                        والمن والفداء ومن ضربت عليه الجزية من الخمس على القول إن الغنيمة مملوكة بنفس الأخذ ، والقتل من رأس المال ، والاسترقاق راجع إلى جملة [ ص: 1407 ] الغانمين . والاسترقاق أولى من القتل ، فينتفع بثمنه ، وقد يهديه الله تعالى إلى الإسلام ، إلا أن يكون ممن أنكى في المسلمين أو رأى في قتله نكاية للعدو .

                                                                                                                                                                                        وأما الأجراء والفلاحون ؛ فهو مخير فيهم حسب ما تقدم ، إلا القتل فاختلف فيه ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                        وأما النساء والصبيان ؛ فهو مخير فيهم بين ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                        المن ، والفداء ، والاسترقاق دون القتل والجزية . وإن رأى استبقاء من قارب البلوغ ليضرب عليه الجزية إذا بلغ ؛ لم يمنع من ذلك .

                                                                                                                                                                                        والأرض على ثلاثة أقسام فما كان بعيدا من قهر المسلمين ، ولا يستطاع سكناه للخوف من العدو ؛ هدم وحرق .

                                                                                                                                                                                        وما كان يقدر المسلمون على عمارته ، إلا أنهم لا يسكنونه إلا أن يملكوه ؛ فإن الإمام يقطعهم ، ويخرجه من رأس الغنيمة ، ولا مقال لأهل الجيش فيه ، ويقطعه لمن فيه نجدة وحزم ، فيكون في نحر العدو وردءا للمسلمين .

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما كان قريبا ومرغوبا فيه ، فقال مالك مرة : لا حق لأهل الجيش فيه ، ولا يقسم ، ويوقف خراجا للمسلمين .

                                                                                                                                                                                        وقال مرة : يجوز قسمها أو وقفها ، وليست كالأموال ، فلا يجوز إخراجها عنهم . فقال في المبسوط وهو في بعض روايات المدونة : كل أرض افتتحت [ ص: 1408 ] عنوة ؛ فتركت لم تقسم ، ولو أرادوا أن يقسموها لقسموها ، فتركت لأهل الإسلام- فهذه التي قال مالك : يجتهد فيها الإمام ، ومن حضره من المسلمين .

                                                                                                                                                                                        فأجاز تقسمتها إذا رأى الإمام ذلك ، ولا أعلم خلافا أنها إن قسمت أن ذلك ماض ، ولا ينقض . وذهب بعض الناس إلى أنها كالأموال تقسم ، ولا يجوز حبسها عن الغانمين . وقوله بجواز القسم أحسن ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم قريظة وفدك وخيبر . وقال عمر - رضي الله عنه - : لولا من يأتي من المسلمين ؛ لم أدع قرية افتتحت عنوة إلا قسمتها ، كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر . فسلم عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم العنوة ، وأن ذلك لم ينسخ ؛ لأنه جوز القسم ، وأخبر أن ترك القسم باجتهاد منه ، ليس يمنع منه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد افتتحت مكة عنوة ولم تقسم .

                                                                                                                                                                                        واختلف : هل تركت لأهلها منا عليهم بها ، فيجوز لهم بيعها ، أو تركها فيئا للمسلمين ؟ ولم يختلف أنه من على الرجال ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "مكة حرم ، لا تحل إجارة بيوتها ، ولا بيع رباعها" .

                                                                                                                                                                                        وقال علقمة بن نضلة : كانت المساكن والدور بمكة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - لا تباع ولا تكرى ، وما [ ص: 1409 ] تدعى إلا السوائب ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن .

                                                                                                                                                                                        وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه نهى أن تغلق دور مكة دون الحاج ، وقال في أيام الحج : يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا دعوهم ينزلون في الفارغ ، فكانوا ينزلون حتى يضربوا فساطيطهم في الدور . وقد تقدم بعض ذلك في كتاب الأرضين .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية