الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في أموال أهل الكفر]

                                                                                                                                                                                        أموال أهل الكفر فيمن تسوغ له على خمسة أوجه :

                                                                                                                                                                                        أحدها : الحكم فيها لله خالصا .

                                                                                                                                                                                        والثاني : هي لمن أخذها ولا خمس فيها .

                                                                                                                                                                                        والثالث : أن تكون شركة : الخمس لله تعالى ، وأربعة أخماسها للذين أخذوها .

                                                                                                                                                                                        والرابع : مختلف فيها : هل هي لله سبحانه ، أو شركة أخماسا ؟

                                                                                                                                                                                        والخامس : مختلف فيها : هل هي لواجدها خاصة ، أو شركة فتخمس ؟

                                                                                                                                                                                        فالأول : جزية الجماجم ، وخراج الأرضين ، وعشور أهل الذمة ، وأهل الحرب إذا أتوا تجارا- فهذه لله تعالى خالصا .

                                                                                                                                                                                        فإن رأى الإمام ألا يعطي منها لآدمي شيئا- جاز ، ويجعله في الكراع والسلاح ، ويصلح منها الحصون والأسوار ، أو يصرف بعضه في ذلك ، وبعضه للناس .

                                                                                                                                                                                        الثاني : ما أخذ من بلد الحرب ، ولم يوجف لأجله ، مثل : أن يدخل إليهم تاجرا ، أو يكون عندهم أسيرا ، فيهرب بمال ، أو يهرب عبد لهم بمال- فهو لمن [ ص: 1410 ] أخذه ولا خمس فيه ، وسواء كان متاعا أو عينا .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : إن هرب الأسير بجارية فلا خمس فيها ؛ لأنه مما لم يوجف عليه إذا أسر من بلد المسلمين ، فإن كان خرج إلى بلاد الحرب فأسر- ففيه الخمس . يريد : إذا خرج لمثل ذلك أو للجهاد . ولو خرج تاجرا ثم سرق جارية أو متاعا- لم يخمس .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد : إن طرح العدو شيئا خوفا من الغرق ، أو انكسرت مراكبهم ، فوجد إنسان متاعا أو ثيابا ، ولا أحد معه من الحربيين ، ولا هو بقرب قراهم- كان لمن أخذه ، ولا خمس فيه ، إلا أن يكون ذهبا أو فضة فيخمس . وإن كانت الأمتعة أو العين بقرب قراهم- ففيه الخمس ، إلا أن يكون يسيرا ، فلا يخمس ، وإن كان معه الحربيون كان سبيله سبيل الحربيين ، أمر ذلك كله إلى الوالي .

                                                                                                                                                                                        والثالث : ما غنم المسلمون بعد الحرب ، فهو شركة أخماسا ، وكذلك الركاز إذا كان عينا .

                                                                                                                                                                                        واختلف عن مالك إذا لم ينل إلا بعد العمل الكثير ، وإن كان يسيرا أو كثيرا وهو مما سوى العين ، وقد مضى ذكر ذلك في كتاب الزكاة .

                                                                                                                                                                                        والرابع : ما جلا أهله عنه ، وهو على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                        فإن جلوا عنه بعد نزول الجيش عليهم - كان فيه قولان : [ ص: 1411 ]

                                                                                                                                                                                        فقيل : هو فيء ، ولا شيء لأهل الجيش فيه ؛ لأنه أخذ بغير قتال .

                                                                                                                                                                                        وقيل : أخماسا ؛ لأنهم أوجفوا عليه ، وإيجافهم كان سبب جلائهم عنه .

                                                                                                                                                                                        وإن جلوا عنه قبل خروج الجيش خوفا منه- كان جميع ما جلوا عنه فيئا .

                                                                                                                                                                                        ويختلف فيما يكون من خراج أرضهم ، ومن ذلك ما صولحوا عليه : فإن كان الصلح قبل خروج الجيش ، وإنما كان ذلك بمكاتبة أو برسل- كان جميع ما صولحوا عليه فيئا .

                                                                                                                                                                                        وإن كان بعد نزول الجيش بهم- كان على القولين : هل جميعه فيء أو أخماس ؟ لأنه بإيجافهم ، وهذا فيما يؤخذ منهم بالحضرة .

                                                                                                                                                                                        والثالث : ما يؤدونه كل عام ، فحكمه حكم خراج الأرضين .

                                                                                                                                                                                        والخامس : ما يغنمه العبيد بإيجاف من أرض الإسلام ولا حر معهم ، فقيل : هو لهم ، ولا خمس فيه ؛ لأنهم ممن لم يخاطب بالجهاد ؛ فلم يدخلوا في عموم قوله -عز وجل- : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه [الأنفال : 41] . وقيل : يخمس قياسا على الأحرار .

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كانوا مع الجيش ، وبهم قووا على الجيش أو على الغنيمة ، فيختلف في أنصبائهم : هل تخمس ؟

                                                                                                                                                                                        ويختلف فيما غنمه النساء والصبيان إذا انفردوا بالغنيمة بالقتال من غير رجال : هل يخمس أم لا ؟ واختلف في الركاز إذا كان متاعا أو جوهرا : هل يخمس ؟ . [ ص: 1412 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية