الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الأنفال

                                                                                                                                                                                        النفل : جائز ومكروه . فالجائز : ما كان بعد القتال . والمكروه : ما كان قبل ، مثل أن يقول والي الجيش : من يقتل فلانا فله سلبه أو دنانير أو كسوة ، أو من جاء بشيء من العين أو المتاع أو الخيل فله ربعه أو نصفه ، أو من صعد موضع كذا وكذا أو وقف فيه أو بلغه فله كذا . كل ذلك ممنوع ابتداء لوجهين :

                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه قتال للدنيا ، ولا يجوز أن يسفك دمه على ذلك ، وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل للغنيمة ، والرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" أخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                                                                                                        والثاني : أن ذلك يؤدي على التحامل إلى الهلاك ، وقد قال عمر - رضي الله عنه - : لا تقدموا جماجم المسلمين إلى الحصون ، فلمسلم أستبقيه أحب إلي من الحصن أفتحه . [ ص: 1413 ]

                                                                                                                                                                                        فإن فات القتال على مثل ذلك- كان له شرطه ؛ لأنه عمل على حظه من الدنيا ، فهو كالمبايعة .

                                                                                                                                                                                        قال سحنون في كتاب ابنه : إن بعث الوالي سرية على أن لهم ثلث ما غنموا- مضى وأعطوا ذلك ، ويدخلون في السهام فيما بقي بعد الخمس .

                                                                                                                                                                                        فأثبت سهمانهم في الباقي ، وليس بالبين . والمفهوم أن ذلك بدل سهمانهم ، لا شيء لهم غيره . ولو قال : لكم الثلث والربع بعد إخراج الخمس-كان أبين أن لا شيء لهم سوى ما جعل لهم ؛ لأنه إذا أخرج الخمس كان الباقي على السهمان ، فجعل لهم مكان سهمانهم ثلث الباقي أو ربعه .

                                                                                                                                                                                        والنفل بعد الغنيمة موكول إلى اجتهاد الإمام إن رأى ذلك ، وإلا تركه ، فإن أراد أن ينفل وتساوى فعل السرية أو الجيش أو تقارب- نفل جميعهم ، وسوى بينهم ، وإلا ترك ، ولا ينفل بعضهم ؛ لأنه خروج عن العدل ، ومفسدة لقلوبهم .

                                                                                                                                                                                        وإن اختلف فعلهم ، وكان فيهم من أبلى بقتل أو بصبر في موضع ، أو برأي كان فيه فتح نفله دون غيره .

                                                                                                                                                                                        وإن كان فاعل ذلك عددا نفل جميعهم أو تركهم ، فإن نفلهم واختلف فعلهم جاز أن يفضلهم بما يرى ، ولا بأس أن يرضخ لغيرهم ليستطيب قلوبهم .

                                                                                                                                                                                        ويستحب أن يكون النفل مما يظهر على المعطى : كالفرس والثوب [ ص: 1414 ] والعمامة والسيف ؛ لأنه أعظم في النفوس من الدنانير وإن كثرت .

                                                                                                                                                                                        والنفل من الخمس ، ولا ينفل من رأس الغنيمة لوجهين :

                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن فيه ظلما على من لم ينفل ، على القول إن الغنيمة مملوكة بنفس الأخذ ؛ لأنه أعطى من نصيب الآخرين .

                                                                                                                                                                                        والثاني : أن فيه فسادا لقلوب الآخرين ؛ لأنهم يعتقدون أن ذلك من أنصبائهم وإن لم يكن كذلك .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية