باب في الموضع الذي يلزم الحالف بالمشي منه يمشي منه
ومن المدونة: قال فيمن مالك يمشي من حيث حلف، إلا أن تكون له نية، فيمشي من حيث نوى . حلف بالمشي إلى بيت الله الحرام فحنث:
قال الشيخ - رضي الله عنه -: وسواء كان في يمينه على بر، أو على حنث; لأن قوله: المشي، يحتمل أن يريد به الجنس أو معهودا من المشي; فإن أراد الجنس أجزأه المشي من حيث شاء ، ويكون بمنزلة من قال: "علي مشي" فإنه يجزئه ذلك وإن قل، أو يحمل على أنه أراد معهودا من المشي، وأن الألف واللام للعهد، وهو أن يمشي من الموضع الذي هو فيه ، فسواء كان على بر أو على حنث; لأنه إنما حلف على معين بمنزلة من حلف بعتق عبد بعينه، فالبر والحنث في ذلك سواء.
وإن انتقل إلى بلد آخر وهو مثله في المسافة; مشى منه، ولم يكن عليه أن يرجع إلى الأول; لأن الأمر في ذلك راجع إلى قدر البعد والقرب وكثرة الخطى، ولا مزية في هذا للأراضي. ولأنه لو خرج من البلد الذي حلف عليه ونواه، فمضى على غير ذلك الطريق، وهو مثله في المسافة لأجزأه. ولأن القصد أن يتقرب إلى الله تعالى بالمشي من ذلك القدر . [ ص: 1643 ]
واختلف إن انتقل إلى ما هو أقرب منه بالمشي القريب ، فقيل: لا يجزئه. وقال أبو الفرج: يهدي هديا ويجزئه، وإن بعد ما بين الموضعين، لم يجزئه، وإن كان ممن لا يستطيع أن يمشي جميع الطريق، مشى من موضعه، وأهدى .
وقال في كتاب أصبغ محمد : إنما يرجع إلى موضعه إن كان يقدر على أن يمشي جميع المنذور.
وقال : إذا قال: علي المشي إلى ابن القاسم مكة وهو بها ، خرج إلى الحل فيأتي بعمرة; لأن مفهوم قوله أن يأتي إليها من غيرها، وأقل ذلك أوائل الحل .
وإن قال: علي المشي إلى المسجد وهو بمكة; مضى إلى المسجد من موضعه، ولم يكن عليه أن يخرج إلى الحل. وقال مرة: يخرج إلى الحل، ثم يدخل بعمرة كالأول. وإن قال وهو في المسجد: علي المشي إلى مكة أو إلى المسجد; خرج إلى الحل، ثم يدخل بعمرة. [ ص: 1644 ]