باب فيمن حلف أن لا يأكل طعاما، أو ليأكلنه، فأكل بعضه، أو أكله بعد أن فسد، أو انتقل عن حاله بصنعة، أو غيرها، وما يتعلق بذلك
ومن حلف ليأكلن هذا الرغيف، فأكل بعضه، لم يبر; لأن الباقي محلوف عليه أن يأكله. وإن حلف ألا يأكله، فأكل بعضه; حنث; لأن القصد أن لا يقربه.
وقال : يتخرج فيهما قول آخر: أن لا يحنث، إلا أن يأكل جميعه. ابن الجلاب
وقال في كتاب مالك محمد ، فيمن قال لامرأته، وهي حامل: إذا وضعت، فأنت طالق. فوضعت ولدا، وبقي في بطنها آخر: لم تطلق عليه; حتى تضع الآخر فلم يحنثه بالبعض، وقال أيضا: يحنث بوضع الأول .
واختلف فيمن قال لزوجته: إن وطئتك، فأنت طالق. هل يحنث بمغيب الحشفة، أم لا يحنث إلا بالوطء التام أم لا؟
وقال محمد : إن حلف أن لا يأكله كله، لم ينفعه ذلك .
وقال فيمن حلف أن لا يهدم هذه البئر كلها: لم يحنث إلا بهدم جميعها . [ ص: 1712 ] ابن سحنون
وهذا أحسن; لأنه شرط الكل.
وقال فيمن حلف على طعام ليأكلنه، فتركه حتى فسد، ثم أكله فقد حنث إذا خرج عن حد الطعام. مالك
وقال في العتبية: لا يحنث، إلا أن يكون أراد أن يأكله قبل أن يفسد . سحنون
وأرى أن يحنث لوجهين: أحدهما: حمله على العادة. والعادة أن يؤكل غير فاسد.
والثاني: أنه إذا فسد ذهب بعضه. ومن حلف على شيء ليأكلنه; لم يبر، إلا بأكل جميعه.
وإن كان خبزا رطبا فيبس، فذلك أخف; لأن جميعه موجود.
النية، وبساط اليمين وهو السبب الذي كان عنه ، والعادة في الاستعمال، والعادة في التخاطب، والعادة في المقاصد في الأيمان، وما يقتضيه اللفظ الذي حلف به في وضع اللغة. ويراعى في الأيمان ستة:
وتراعى أيضا اليمين في نفسها: هل هي مما يقضى بها بموجب حنثها؟ وهل عليه بينة، أو هو مستفت؟ فإن كانت مما لا يقضى بها; ابتدئ في ذلك بالنية، فإن لم تكن له نية; حمل على ما يوجبه اللفظ وإن كانت في التخاطب [ ص: 1713 ] عادة حمل عليها; لأنها صارت كاللغة. وهي مقدمة على ما يوجبها ذلك اللفظ في اللغة إذا كان الحالف غير عارف بموجبها في اللغة، أو عارفا وترك استعمالها. وهذا مع عدم العادة في الاستعمال وعدم البساط، فإن كانتا; كان في المسألة ثلاثة أقوال:
فقيل: يحمل على ما يوجبه اللفظ، ولا يراعى بساط ولا عادة; لأن الحالف لم ينوهما، فلا يحمل على ما لم ينو.
وقيل: يحمل على بساط يمينه دون العادة.
وقيل: يحمل عليهما، فإن اجتمعا بدئ ببساط يمينه، فإن عدم رجع إلى العادة، وإن كانت اليمين مما يقضى بها، ولا بينة عليه; كان الجواب كالأول.
وإن كانت عليه بينة; سئل عن نيته، فإن ذكر ما يوجبه مجرد اللفظ، أو أكثر من موجبه; صدق، وإن ادعى دون موجبه; لم يصدق، إلا أن تكون ليمينه بساط وعادة تصدق نيته، فيقبل قوله.
وهذا عمدة ما يحتاج إليه فيما يأتي من هذه المسائل.
ومن المدونة فيمن حنث. قال: لأن هذا هكذا في السمن يؤكل . حلف: أن لا يأكل هذه الحنطة، أو من هذه الحنطة، فأكل خبزا أو سويقا عمل منها،
وقال : وإن حلف أن لا يأكل هذا القمح، فأكل منه خبزا: أن لا شيء عليه، إلا أن يقول من هذا القمح فلم ير عليه حنثا، وإن عرف، فقال: هذا القمح فقال هذا. إذا عظمت الصنعة حتى جاز التفاضل بينه وبين القمح. [ ص: 1714 ] ابن المواز
وقد قيل في هذا الأصل: إن عرف، فقال: هذا; حنث. وإن نكر ذلك، فقال: لا أكلت قمحا، فأكل خبزا، لم يحنث; لأنه إذا عين، وقال: هذا. لم تخرجه الصنعة عن أن تكون هي العين المشار إليها، ولأنها العادة فيما يؤكل عليه، وليس الشأن أن يؤكل قمحا. ولو حلف أن لا آكل هذا الدقيق، فأكل ما عمل منه حنث. وإن حلف لا يأكل دقيق قمح فأكل خبز قمح لم يحنث; لأن هذا اسم خاص وإن حلف أن لا يأكل خبزا، فأكل كعكا أو إسفنجة; حنث على موضوع التسمية; لأن تلك الصنعة خبز، ولا يحنث على ما تعارفه الناس اليوم; لأنهم لا يسمون ذلك خبزا، ويحنث إذا قصد الحالف أن يضيق على نفسه، وإن حلف ألا يأكل كعكا أو إسفنجة، فأكل خبزا; لم يحنث، أو حلف لا يأكل كعكا، فأكل إسفنجة; لأنه خص، وإن حلف أن لا يأكل هذا القمح فأكل ما زرع منه; لم يحنث، وإن كان ملكا له، وإن كان هبة، وأراد رده، ودفع منة واهبه، فلم يفعل، وزرعه; حنث.
وإن رده، وزرعه واهبه; لم يحنث، إلا أن تكون نيته ألا يقبل منه هبة، وكذلك إن باعه، واشترى بثمنه قمحا; لا يحنث إن كان ملكا له، ويحنث إن كان هبة، وكان هذا بائعه.
وإن رده، وباعه الواهب، واشترى بثمنه، فوهبه الثاني، وهو لا يعلم; لم يحنث، وإن علم; حنث; لأنه يتهم أن يكون عمل على بيعه. [ ص: 1715 ]