الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن حلف ألا يأكل لبنا فأكل سمنا أو جبنا أو ألا يأكل زبدا فأكل سمنا]

                                                                                                                                                                                        وقال محمد ، فيمن حلف لا يأكل هذا اللبن، أو لا آكل لبنا، فأكل ما عمل منه من سمن أو جبن أو زبد: فلا شيء عليه . وقيل: هذا حانث، عرف أو نكر.

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب ابن حبيب : يحنث إن عين، فقال: هذا اللبن .

                                                                                                                                                                                        وإن قال: لبنا; لم يحنث وهو في هذا إذا نكر أبين أن لا يحنث من قوله قمحا، فأكل خبزا; لأن القمح لا يؤكل على حاله، فحنث بالعادة، وفي الصفة التي يؤكل عليها.

                                                                                                                                                                                        واللبن يستعمل على هيئته، وعلى الوجه الآخر، وإذا لم يعين; لم يحنث، إلا بما يقع عليه ذلك الاسم. وإن حلف أن لا آكل من هذا اللبن; حنث بما يعمل منه; لأنه منه.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : إن حلف ألا يأكل زبدا، فأكل سمنا لم يحنث . وقال أيضا: يحنث والأول أصوب; لأن قوله زبدا أو سمنا أو جبنا، أسماء تخص وإن حلف ألا يأكل زبدا; لم يحنث بأكل اللبن، أو لا آكل سمنا; لم يحنث بأكل الزبد.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب ، فيمن حلف ألا يأكل الحليب: لم يحنث بالمضروب، أو [ ص: 1716 ] ألا يأكل المضروب; لم يحنث بأكل الحليب .

                                                                                                                                                                                        وإن حلف في شاة بعينها لا آكل من لبنها، أو لا آكل منها لبنا، أو لا آكل لبنها; فأكل ما يعمل منه; افترق الجواب. فإن حلف لا آكل من لبنها; حنث في كل ما يعمل منه من زبد أو سمن أو جبن.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم : كان ذلك مستخرجا منها قبل يمينه، أو بعده فإن قال: لا أكلت لبنها; كان على القولين فيمن عرف، بمنزلة من قال: لا أكلت هذا اللبن. وإن قال: لا أكلت من هذه الشاة; لم يحنث بأكل اللبن; لأن القصد أن لا يأكل من ذاتها .

                                                                                                                                                                                        قال ابن ميسر : واختلف إذا أكل من نسلها .

                                                                                                                                                                                        إلا أن تكون هبة، ويقصد رد منة واهبها; حنث إن شرب لبنها. وإن باعها، واشترى بثمنها غيرها، ولم تكن هبة، لم يحنث. وإن كانت هبة; حنث إن كان هو البائع لهما .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم : وإن ردها، فأعطاه شاة أخرى، أو عرضا; لم يحنث إذا لم يكن ثمنا لها، إلا أن تكون نيته أن لا ينتفع منه بشيء أبدا .

                                                                                                                                                                                        وأرى إن باعها الواهب، واشترى بثمنها أخرى أن لا يقبلها، وإن قال: لا أكلت سمنا، فأكل سويقا بسمن; حنث، إلا أن تكون له نية في السمن الخالص. [ ص: 1717 ]

                                                                                                                                                                                        وإن حلف أن لا يأكل خلا، فأكل مرقا فيه خل، لم يحنث، إلا أن تكون نيته أن لا يأكل طعاما خالطه خل. فأحنثه في السمن; لأن عينه قائمة، وطعمه موجود، بمنزلته قبل أن يخلط، ولو أراد تمييزه من السويق ميزه بالماء، وليس كذلك الخل.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في ذلك: فقال محمد في السمن: إن كانت سبب يمينه مضرة السمن; حنث، وإن كان لأنه قيل له: إنك لتشتهيه; لم يحنث وليس هذا بالبين; لأنه يبلغ شهوته إذا أكله في سويق.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن ميسر : إن لم يجد طعم السمن; لم يحنث . يريد: لقلته، وهذا أشبه.

                                                                                                                                                                                        يختلف فيه بعد ذلك قياسا على اللبن إذا خلط بطعام; حتى صار مستهلكا، هل تقع به الحرمة، وكذلك الخل.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية