الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن حلف ألا يأكل بسرا فأكل رطبا أو لا يأكل رطبا فأكل تمرا]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم ، فيمن حلف أن لا يأكل بسرا، فأكل رطبا، أو أكل رطبا، فأكل تمرا; لم يحنث .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب : يحنث. قال: وهو بمنزلة الشحم من اللحم. وقال [ ص: 1718 ] محمد : إذا أكل ما يخرج من المحلوف عليه فلم يره ابن القاسم إلا في الشحم من اللحم، والمرق من اللحم، والنبيذ من التمر، والعصير من العنب، والخبز من القمح، وما سوى هذه، فلا شيء عليه فيما يخرج من المحلوف عليه، إلا أن يقول منه .

                                                                                                                                                                                        وفي الواضحة: إن عين، فقال: هذا الرطب، فأكل من تمره، أو هذا البسر فأكل من رطبه، أو هذا الكرم فأكل من زبيبه; حنث. فإن نكر، فقال: لا أكلت رطبا; لم يحنث بالتمر، أو عنبا; لم يحنث بالزبيب .

                                                                                                                                                                                        وعلى ما تقدم فيمن حلف أن لا يأكل هذه الحنطة، فأكل من خبزها; لا يحنث هذا، وإن عين، وقول ابن القاسم في هذا أحسن، وإن قال: لا أكلت من هذا البسر، فأكله رطبا، أو هذا الكرم فأكل من زبيبه ; حنث.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: من هذا الطلع، فأكل من بسره أو رطبه.

                                                                                                                                                                                        فقال محمد : استحسن أشهب أن لا حنث عليه، لبعد ما بينهما في الطعم والمنفعة والاسم وهو أحسن; لأن "من" تكون لإبانة الجنس وللتبعيض، فعلى كلا الوجهين لا يؤثر في هذا السؤال "من" لأنه إن أراد إبانة الجنس فلا شيء عليه في غيره.

                                                                                                                                                                                        وإن جعلها للتبعيض، فإنما هي لتبعيض الموجود، لا لغير ذلك. ومن جعلها فيما يتولد منه; لم يجعلها لتبيين الجنس ، ولا للتبعيض. وإذا أدخل "من" [ ص: 1719 ] فلا يختلف أنه يحنث بالبعض.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أسقطها: هل يحنث بالبعض؟ وكذلك، إن حلف أن لا يأكل من هذه الشاة، فأكل ولدها; حنث على قول ابن القاسم ، ولم يحنث على أصل أشهب ; لأنه لم يجعلها لما يتولد في المستقبل، وإنما هي للتبعيض فيما هو موجود، إلا أن يكون حاملا وقت يمينه.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: لا أكلت من البسر; لم يحنث بأكل الرطب ولا التمر; لأن المراد ها هنا الجنس. ولو قال في نخلة بعينها: لا أكلت من بسرها، أو لا أكلت منها بسرا، أو لا أكلت بسرها; فأكل من رطبها أو تمرها; حنث إذا قال: من بسرها، ولم يحنث إذا قال: لا أكلت منها بسرا.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا قال: لا أكلت بسرها; لأنه قد عرف، ولم يقل: من، وأن لا شيء عليه أحسن. وإن قال: لا أكلت بسرها، فأكل بلحها; لم يحنث، إلا أن تكون نيته اجتنابها.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : إن حلف ألا يأكل زبيبا أو تمرا فشرب نبيذهما حنث، إلا أن تكون له نية، ولا بأس بخلهما لبعد منافعهما ولطول أعمالهما. فأحنثه إذا شرب نبيذهما. وإن نكر فهو إذا عين أبين أن يحنث على أصله. ويجري فيها الخلاف المتقدم، وألا يحنث إن عرف قياسا على من حلف في اللبن، وعين أن لا يحنثه في الزبد. [ ص: 1720 ]

                                                                                                                                                                                        وعلى قول ابن حبيب يحنث إن عين ، يحنث إن نكر لمفارقة الاسم والطعم ومباينته لطعم الأصل أكثر من مباينة طعم الزبد من السمن.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية