الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن حلف ألا يأكل لحما هل يحنث بأكل الشحم؟]

                                                                                                                                                                                        وإن حلف ألا يأكل لحما حنث بأكل الشحم، ولا يحنث إذا حلف ألا يأكل شحما بأكل اللحم; لأن اللحم اسم شامل يدخل فيه الشحم واللحم. والشحم اسم خاص، ولا يسمى الشحم بانفراده لحما. وإن حلف ألا يأكل لحما، فأكل مرق اللحم حنث.

                                                                                                                                                                                        قال محمد : لأنه مما صار فيه من اللحم ودك وإن حلف ألا يأكل شحما; لم يحنث بأكل مرق اللحم.

                                                                                                                                                                                        وإن حلف ألا يأكل لحما; حنث عند مالك بأكل لحوم الأنعام والوحش والطير والحوت، قال : قال الله تعالى: وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا [النحل: 14] .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في المجموعة: لا يحنث إلا بأكل لحم الأنعام الأربع خاصة، دون الوحش وغيره وقال ابن القاسم : إن حلف ألا يأكل رءوسا، فأكل رءوس السمك، أو لا آكل بيضا، فأكل بيض السمك، أو الطير; حنث بكل ما يقع عليه ذلك الاسم، إلا أن تكون له نية. [ ص: 1721 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب : لا يحنث، إلا برءوس الأنعام الأربع; لأن عليها تقع الأيمان، ويحنث ببيض الطير استحسانا، وليس بالقياس، قال: والفرق بين ذلك بعد ما بين رءوس الضأن والطير، وقرب ما بين الدجاج والطير، ومنه: ما يشبهه في الخلق والطعم. ولم يحنثه ببيض الحوت. ووافقه ابن حبيب في جميع ذلك ، أعني : الرءوس والبيض يريد: أن العرف اليوم في اللحم غير الحيتان، ولو قال قائل: اشتريت لحما أو أكلته; لم يستفسر. هل هو لحم حيتان، ولو قال: اشتريت لحما وحيتانا، لم يعد ذلك منه تكرارا لما تضمنه اللفظ الأول.

                                                                                                                                                                                        وقوله في الوحش ليس بحسن; لأنه مقارب للأنعام في الطعم، ومنه: كثير يوافقه في الخلق، كما قال في البيض: أنه يحنث بغير بيض الدجاج، وإن لم يكن غالبا; لأنه مقارب لها بخلاف بيض الحوت. ولأنه يحنث بلحم الإبل، وإن كان أكلها في الحواضر من النادر.

                                                                                                                                                                                        وقد قال أبو حنيفة: لا يحنث إلا بأكل رءوس الغنم والبقر دون الإبل ، وقال أبو يوسف: لا يحنث، إلا بأكل رءوس الغنم خاصة.

                                                                                                                                                                                        وإن حلف ألا آكل حيتانا لم يحنث بأكل لحم ذوات الأربع لأنه خص وكما [ ص: 1722 ] لو حلف ألا يأكل لحم بقر لم يحنث بأكل لحم الغنم.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية