الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن عدم الطول وخشي العنت]

                                                                                                                                                                                        ومن تزوج أمة لأنه عدم الطول وخشي العنت ، ثم ذهب عنه بعد الدخول ما كان يخشاه - لم يؤمر بفراق تلك الأمة، لوجهين:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه لم يذهب حقيقة; لأن ذلك يعاوده إذا عاد إلى العزبة.

                                                                                                                                                                                        والآخر: أن ذلك يؤدي إلى حرج; يؤمر الآن بالفراق، وعن قليل يخشى العنت فيتزوج؟!

                                                                                                                                                                                        فإذا ابتنى وذهب عنه ذلك - أمر بالفراق فلا يكلف ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا وجد طولا للحرة، هل يفارق الأمة التي تحته؟ على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقال مالك : يجوز له البقاء عليها، وسواء تزوج حرة أم لا .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : يجوز له البقاء، وإن أفاد طولا، إلا أن يتزوج حرة فتحرم عليه الأمة التي تحته، وذكره عن عمر وابن عباس .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في "كتاب محمد ": لو كان يفرق بين الرجل وبين الأمة إذا تزوجها على الحرة; لانبغى أن يفرق بينه وبين الأمة تكون تحته ثم يتزوج عليها الحرة قال: والحجة فيهما سواء.

                                                                                                                                                                                        يريد: أن نكاح الأمة جائز من غير شرط، وأنه لو كان الأمر على ما في سورة النساء لوجب أن يفارق الأمة إذا تزوج عليها حرة; لأن الضرورة [ ص: 1883 ] ارتفعت بتزويج الحرة، والتمادي على الأمة كالابتداء، وهذا مثل قول ابن حبيب إلا أنه أجاب على أحد قوليه أنه يجوز تزويج الأمة من غير شرط، وعلى قوله أن ذلك ممنوع إلا أن يخشى العنت، ولا يجد طولا: يفارق الأولى إذا تزوج حرة، كما قال ابن حبيب ; لأنه يسلم أن القياس فيهما سواء.

                                                                                                                                                                                        وقال مسروق والمزني: إذا وجد طولا انفسخ نكاح الأمة وإن لم يتزوج الحرة; لأن علة المنع عندهما إرقاق الولد، فإذا زالت الضرورة المبيحة منع من التمادي; لئلا يرق ولده.

                                                                                                                                                                                        وما أظن من ذهب إلى جواز البقاء إلا للاختلاف في الأصل أن ذلك يجوز اختيارا، فعلى قول عبد الملك لا يصح أن يجتمع في عصمة الرجل حرة وأمة; لأن الحرة طول; تقدمت أو تأخرت; وعلى أحد قولي مالك يصح اجتماعهما إن تقدمت الأمة، ولا يصح إن تأخرت، وعلى القول الآخر يصح تقدم نكاحها أو تأخر.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية