الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
القسم الثاني أن يحبه لينال من ذاته غير ذاته ، فيكون وسيلة إلى محبوب غيره ، والوسيلة إلى المحبوب محبوب وما يجب لغيره كان ذلك الغير هو المحبوب بالحقيقة .

ولكن الطريق إلى المحبوب محبوب ولذلك أحب الناس الذهب والفضة ، ولا غرض فيهما إذ لا يطعم ولا يلبس ، ولكنهما وسيلة إلى المحبوبات فمن الناس من يحب كما يحب الذهب والفضة من حيث إنه وسيلة إلى المقصود إذ يتوصل به إلى نيل جاه أو مال أو علم كما يحب الرجل سلطانا لانتفاعه بماله أو جاهه ويحب خواصه لتحسينهم حاله عنده وتمهيدهم أمره في قلبه فالمتوسل ، إليه إن كان مقصور الفائدة على الدنيا لم يكن حبه من جملة الحب في الله وإن لم يكن مقصور الفائدة على الدنيا ، ولكنه ليس يقصد به إلا الدنيا كحب التلميذ لأستاذه ، فهو أيضا خارج عن الحب لله فإنه إنما يحبه ليحصل منه العلم لنفسه فمحبوبه العلم ، فإذا كان لا يقصد العلم للتقرب إلى الله بل لينال به الجاه والمال والقبول عند الخلق ، فمحبوبه الجاه والقبول ، والعلم وسيلة إليه ، والأستاذ وسيلة إلى العلم فليس في شيء من ذلك حب لله إذ لا يتصور كل ذلك ممن لا يؤمن بالله تعالى أصلا .

ثم ينقسم هذا أيضا إلى مذموم ومباح ، فإن كان يقصد به التوصل إلى مقاصد مذمومة من قهر الأقران وحيازة أموال اليتامى وظلم الرعاة بولاية القضاء أو غيره كان كالحب مذموما ، وإن كان يقصد به التوصل إلى مباح ، وإنما تكتسب الوسيلة الحكم والصفة من المقصد المتوصل إليه فإنها تابعة له غير قائمة بنفسها .

التالي السابق


(القسم الثاني أن يحبه لينال من ذاته غير ذاته، فيكون وسيلة إلى محبوب غيره ، والوسيلة إلى المحبوب محبوب) ، كما أنها إلى المذموم مذموم، (وما يحب لغيره كان ذلك الغير هو المحبوب بالحقيقة، ولكن الطريق إلى المحبوب محبوب) لكون ذلك موصلا إلى المحبوب، (ولذلك أحب الناس الذهب والفضة، ولا غرض فيهما إذ لا يطعمان) أي: لا يذاقان، (ولا يلبسان، ولكنهما وسيلة إلى المحبوبات) ، فإنهم بمنزلة خواتيم الله في أرضه، فمن أتى بهما قضيت حاجته، (فمن الناس من يحب) لغيره (كما يحب الذهب والفضة من حيث إنه وسيلة إلى المقصود) المحبوب (إذ يتوصل به إلى نيل جاه أو مال أو علم) ، وغير ذلك (كما يحب الرجل سلطانا لانتفاعه بماله أو جاهه و) كما (يحب خواصه) والمتقربين إليه (لتحسينهم حاله عنده أو تمهيدهم أمره) وتسهيله (في قلبه، والمتوسل إليه إن كان مقصور الفائدة) تحصل (على الدنيا لم يكن من جملة الحب في الله) عز وجل (وإن لم يكن مقصور الفائدة على الدنيا، ولكنه ليس يقصد به إلا الدنيا كحب التلميذ لأستاذه، فهو أيضا خارج عن الحب لله) تعالى (فإنه إنما يحبه ليحصل منه العلم لنفسه فمحبوبه العلم، فإذا كان لا يقصد العلم للتقرب إلى الله) تعالى (بل لينال منه المال والجاه والقبول عند الخلق، فمحبوبه به الجاه) والمال (والقبول، والعلم وسيلة إليه، والأستاذ وسيلة إلى العلم) كما هو حال أكثر أهل هذا الزمان، بل وقبله بكثير، (فليس في شيء من ذلك حب الله) عز وجل (إذ يتصور كل ذلك ممن لا يؤمن بالله) تعالى (أصلا ثم ينقسم هذا أيضا إلى مذموم ومباح، فإن كان يقصد به التوصل إلى مقاصد مذمومة من قهر الأقران) وكسر شوكتهم (وجباية أموال اليتامى وظلم الرعايا بولاية) الأحكام مثل (القضاء أو غيره) كالأوقاف والمدارس (كان الحب مذموما، وإن كان يقصد به التوصل إلى مباح فهو مباح، وإنما تكتسب الوسيلة الحكم والصفة من المقصد المتوسل إليه فإنها) ، أي: الوسيلة تابعة له (غير قائمة بنفسها) .




الخدمات العلمية