ولا قيوم إلا واحد ، ولا يتصور أن يكون غير ذلك فإذا ،
nindex.php?page=treesubj&link=29687ليس في الوجود غير الحي القيوم وهو الواحد الصمد فإذا نظرت من هذا المقام عرفت أن الكل منه مصدره ، وإليه مرجعه ، فهو الشاكر وهو المشكور ، وهو المحب وهو المحبوب ومن ههنا نظر
حبيب بن أبي حبيب حيث قرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب فقال : واعجباه أعطى وأثنى إشارة إلى أنه إذا أثنى على إعطائه فعلى نفسه أثنى ، فهو المثني وهو المثنى عليه ومن ههنا نظر الشيخ
أبو سعيد الميهني حيث قرئ بين يديه
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54يحبهم ويحبونه فقال : لعمري يحبهم ودعه يحبهم فبحق يحبهم لأنه إنما يحب نفسه أشار به إلى أنه المحب وأنه المحبوب وهذه رتبة عالية لا تفهمها إلا بمثال على حد عقلك فلا يخفى عليك أن المصنف إذا أحب تصنيفه لقد أحب نفسه ، والصانع إذا أحب صنعته فقد أحب نفسه ، والوالد إذا أحب ولده من حيث إنه ولده فقد أحب نفسه ، وكل ما في الوجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وصنعته فإن أحبه فما أحب إلا نفسه وإذا لم يحب إلا نفسه فبحق أحب ما أحب وهذا ما أحب وهذا كله نظر بعين التوحيد وتعبر
الصوفية عن هذه الحالة
nindex.php?page=treesubj&link=29411بفناء النفس ، أي فني عن نفسه ، وعن غير الله ، فلم ير إلا الله تعالى فمن لم يفهم هذا ينكر عليهم ويقول كيف فني وطول ظله أربعة أذرع ، ولعله يأكل في كل يوم أرطالا من الخبز فيضحك عليهم الجهال لجهلهم بمعاني كلامهم وضرورة قول العارفين أن يكونوا ضحكة للجاهلين وإليه الإشارة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=29إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=30وإذا مروا بهم يتغامزون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=31وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=32وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=33وما أرسلوا عليهم حافظين ثم بين أن ضحك العارفين عليهم غدا أعظم إذ قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=34فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=35على الأرائك ينظرون وكذلك أمة
نوح عليه السلام كانوا يضحكون عليه عند اشتغاله بعمل السفينة قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فهذا أحد النظرين النظر الثاني نظر من لم يبلغ إلى
nindex.php?page=treesubj&link=29411مقام الفناء عن نفسه ، وهؤلاء قسمان : قسم لم يثبتوا إلا وجود أنفسهم ، وأنكروا أن يكون لهم رب يعبد ، وهؤلاء هم العميان المنكوسون وعماهم في كلتا العينين لأنهم نفوا ما هو الثابت تحقيقا ، وهو القيوم الذي هو قائم بنفسه وقائم على كل نفس بما كسبت ، وكل قائم فقائم به ، ولم يقتصروا على هذا حتى أثبتوا أنفسهم ، ولو عرفوا لعلموا أنهم من حيث هم هم لا ثبات لهم ولا وجود لهم وإنما وجودهم من حيث أوجدوا لا من حيث وجدوا وفرق بين الموجود وبين الموجد وليس في الوجود إلا موجود واحد وموجد ، فالموجود حق ، والموجد باطل ، من حيث هو هو ، والموجود قائم وقيوم ، والموجد هالك وفان ، وإذا كان كل من عليها فان فلا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام الفريق الثاني ليس بهم عمى ، ولكن بهم عور ، لأنهم يبصرون بإحدى العينين وجود الموجود الحق فلا ينكرونه ، والعين الأخرى إن تم عماها لم يبصر بها فناء غير الموجود الحق ، فأثبت موجودا آخر مع الله تعالى ، وهذا مشرك تحقيقا كما أن الذي قبله جاحد تحقيقا فإن جاوز حد العمى إلى العمش أدرك تفاوتا بين الموجودين فأثبت عبدا وربا فبهذا القدر من إثبات التفاوت والنقص من الموجود الآخر دخل في حد التوحيد ثم إن كحل بصره بما يزيد في أنواره فيقل عمشه وبقدر ما يزيد في بصره يظهر له نقصان ما أثبته سوى الله تعالى ، فإن بقي في سلوكه كذلك فلا يزال يفضي به النقصان إلى المحو فينمحي عن رؤية ما سوى الله فلا يرى إلا الله ليكون قد بلغ كمال التوحيد وحيث أدرك نقصا في وجود ما سوى الله تعالى دخل في أوائل التوحيد ، وبينهما درجات لا تحصى ، فبهذا تتفاوت درجات الموحدين وكتب الله المنزلة على ألسنة رسله هي الكحل الذي به يحصل أنوار الأبصار والأنبياء هم الكحالون ، وقد جاءوا داعين إلى التوحيد المحض وترجمته قول لا إله إلا الله ومعناه أن لا يرى إلا الواحد الحق والواصلون إلى كمال التوحيد هم الأقلون ، والجاحدون والمشركون أيضا قليلون ، وهم على الطرف الأقصى المقابل لطرف التوحيد ، إذ عبدة الأوثان قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، فكانوا داخلين في أوائل أبواب التوحيد دخولا ضعيفا والمتوسطون هم الأكثرون وفيهم من تنفتح بصيرته في بعض الأحوال فتلوح له حقائق التوحيد ، ولكن كالبرق الخاطف لا يثبت وفيهم من يلوح له ذلك ويثبت زمانا ولكن لا يدوم والدوام فيه عزيز .
لكل إلى شأو العلا حركات ولكن عزيز في الرجال ثبات
ولما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب القرب فقيل له واسجد واقترب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=102991قال في سجوده : أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك ، من سخطك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك .
فقوله صلى الله عليه وسلم :
أعوذ بعفوك من عقابك كلام عن مشاهدة فعل الله فقط فكأنه لم ير إلا الله وأفعاله فاستعاذ بفعله من فعله ثم اقترب ففني عن مشاهدة الأفعال ، وترقى إلى مصادر الأفعال ، وهي الصفات ، فقال : أعوذ برضاك من سخطك ، وهما صفتان ثم رأى ذلك نقصانا في التوحيد فاقترب ورقي من مقام مشاهدة الصفات إلى مشاهدة الذات ، فقال وأعوذ : بك منك ، وهذا فرار منه إليه من غير رؤية فعل وصفة ولكنه ، رأى نفسه فارا منه إليه ومستعيذا ومثنيا ففني عن مشاهدة نفسه إذ رأى ذلك نقصانا واقترب فقال لا أحصي ثناء عليك : أنت كما أثنيت على نفسك .
وَلَا قَيُّومَ إِلَّا وَاحِدٌ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِذًا ،
nindex.php?page=treesubj&link=29687لَيْسَ فِي الْوُجُودِ غَيْرُ الْحَيِّ الْقَيُّومِ وَهُوَ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ فَإِذَا نَظَرْتَ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ عَرَفْتَ أَنَّ الْكُلَّ مِنْهُ مَصْدَرُهُ ، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُهُ ، فَهُوَ الشَّاكِرُ وَهُوَ الْمَشْكُورُ ، وَهُوَ الْمُحِبُّ وَهُوَ الْمَحْبُوبُ وَمِنْ هَهُنَا نَظَرَ
حَبِيبُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ حَيْثُ قَرَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ فَقَالَ : وَاعَجَبَاهُ أَعْطَى وَأَثْنَى إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَى إِعْطَائِهِ فَعَلَى نَفْسِهِ أَثْنَى ، فَهُوَ الْمُثْنِي وَهُوَ الْمُثْنَى عَلَيْهِ وَمِنْ هَهُنَا نَظَرَ الشَّيْخُ
أَبُو سَعِيدٍ الْمِيهَنِيُّ حَيْثُ قُرِئَ بَيْنَ يَدَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فَقَالَ : لَعَمْرِي يُحِبُّهُمْ وَدَعْهُ يُحِبُّهُمْ فَبِحَقٍّ يُحِبُّهُمْ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحِبُّ نَفْسَهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنَّهُ الْمُحِبُّ وَأَنَّهُ الْمَحْبُوبُ وَهَذِهِ رُتْبَةٌ عَالِيَةٌ لَا تَفْهَمُهَا إِلَّا بِمِثَالٍ عَلَى حَدِّ عَقْلِكَ فَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إِذَا أَحَبَّ تَصْنِيفَهُ لَقَدْ أَحَبَّ نَفْسَهُ ، وَالصَّانِعُ إِذَا أَحَبَّ صَنْعَتَهُ فَقَدْ أَحَبَّ نَفْسَهُ ، وَالْوَالِدُ إِذَا أَحَبَّ وَلَدَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ وَلَدُهُ فَقَدْ أَحَبَّ نَفْسَهُ ، وَكُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ تَصْنِيفُ اللَّهِ تَعَالَى وَصَنْعَتُهُ فَإِنْ أَحَبَّهُ فَمَا أَحَبَّ إِلَّا نَفْسَهُ وَإِذَا لَمْ يُحِبَّ إِلَّا نَفْسَهُ فَبِحَقٍّ أَحَبَّ مَا أَحَبَّ وَهَذَا مَا أَحَبَّ وَهَذَا كُلُّهُ نَظَرٌ بِعَيْنِ التَّوْحِيدِ وَتُعَبِّرُ
الصُّوفِيَّةُ عَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=29411بِفَنَاءِ النَّفْسِ ، أَيْ فَنِيَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَعَنْ غَيْرِ اللَّهِ ، فَلَمْ يَرَ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ وَيَقُولُ كَيْفَ فَنِيَ وَطُولُ ظِلِّهِ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ ، وَلَعَلَّهُ يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْطَالًا مِنَ الْخُبْزِ فَيَضْحَكُ عَلَيْهِمُ الْجُهَّالُ لِجَهْلِهِمْ بِمَعَانِي كَلَامِهِمْ وَضَرُورَةُ قَوْلِ الْعَارِفِينَ أَنْ يَكُونُوا ضُحْكَةً لِلْجَاهِلِينَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=29إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=30وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=31وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=32وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=33وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ضَحِكَ الْعَارِفِينَ عَلَيْهِمْ غَدًا أَعْظَمُ إِذْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=34فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=35عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ وَكَذَلِكَ أُمَّةُ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانُوا يَضْحَكُونَ عَلَيْهِ عِنْدَ اشْتِغَالِهِ بِعَمَلِ السَّفِينَةِ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَهَذَا أَحَدُ النَّظَرَيْنِ النَّظَرُ الثَّانِي نَظَرُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29411مَقَامِ الْفَنَاءِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهَؤُلَاءِ قِسْمَانِ : قِسْمٌ لَمْ يُثْبِتُوا إِلَّا وُجُودَ أَنْفُسِهِمْ ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ رَبٌّ يُعْبَدُ ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْعُمْيَانُ الْمَنْكُوسُونَ وَعَمَاهُمْ فِي كِلْتَا الْعَيْنَيْنِ لِأَنَّهُمْ نَفَوْا مَا هُوَ الثَّابِتُ تَحْقِيقًا ، وَهُوَ الْقَيُّومُ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَقَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ، وَكُلُّ قَائِمٍ فَقَائِمٌ بِهِ ، وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى هَذَا حَتَّى أَثْبَتُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَلَوْ عَرَفُوا لَعَلِمُوا أَنَّهُمْ مِنْ حَيْثُ هُمْ هُمْ لَا ثَبَاتَ لَهُمْ وَلَا وُجُودَ لَهُمْ وَإِنَّمَا وُجُودُهُمْ مِنْ حَيْثُ أُوجِدُوا لَا مِنْ حَيْثُ وُجِدُوا وَفَرْقٌ بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَبَيْنَ الْمُوجِدِ وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ إِلَّا مَوْجُودٌ وَاحِدٌ وَمُوجِدٌ ، فَالْمَوْجُودُ حَقٌّ ، وَالْمُوجِدُ بَاطِلٌ ، مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ ، وَالْمَوْجُودُ قَائِمٌ وَقَيُّومٌ ، وَالْمُوجِدُ هَالِكٌ وَفَانٍ ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ فَلَا يَبْقَى إِلَّا وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الْفَرِيقُ الثَّانِي لَيْسَ بِهِمْ عَمًى ، وَلَكِنْ بِهِمْ عَوَرٌ ، لِأَنَّهُمْ يُبْصِرُونَ بِإِحْدَى الْعَيْنَيْنِ وُجُودَ الْمَوْجُودِ الْحَقِّ فَلَا يُنْكِرُونَهُ ، وَالْعَيْنُ الْأُخْرَى إِنْ تَمَّ عَمَاهَا لَمْ يُبْصَرْ بِهَا فَنَاءُ غَيْرِ الْمَوْجُودِ الْحَقِّ ، فَأَثْبَتَ مَوْجُودًا آخَرَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا مُشْرِكٌ تَحْقِيقًا كَمَا أَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ جَاحِدٌ تَحْقِيقًا فَإِنْ جَاوَزَ حَدَّ الْعَمَى إِلَى الْعُمْشِ أَدْرَكَ تَفَاوُتًا بَيْنَ الْمَوْجُودِينَ فَأَثْبَتَ عَبْدًا وَرَبًّا فَبِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ إِثْبَاتِ التَّفَاوُتِ وَالنَّقْصِ مِنَ الْمَوْجُودِ الْآخَرِ دَخَلَ فِي حَدِّ التَّوْحِيدِ ثُمَّ إِنْ كَحَّلَ بَصَرَهُ بِمَا يَزِيدُ فِي أَنْوَارِهِ فَيَقِلُّ عَمَشُهُ وَبِقَدْرِ مَا يَزِيدُ فِي بَصَرِهِ يَظْهَرُ لَهُ نُقْصَانُ مَا أَثْبَتَهُ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ بَقِيَ فِي سُلُوكِهِ كَذَلِكَ فَلَا يَزَالُ يُفْضِي بِهِ النُّقْصَانَ إِلَى الْمَحْوِ فَيَنْمَحِي عَنْ رُؤْيَةِ مَا سِوَى اللَّهِ فَلَا يَرَى إِلَّا اللَّهَ لِيَكُونَ قَدْ بَلَغَ كَمَالَ التَّوْحِيدِ وَحَيْثُ أَدْرَكَ نَقْصًا فِي وُجُودِ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى دَخَلَ فِي أَوَائِلِ التَّوْحِيدِ ، وَبَيْنَهُمَا دَرَجَاتٌ لَا تُحْصَى ، فَبِهَذَا تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُ الْمُوَحِّدِينَ وَكُتُبُ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ هِيَ الْكُحْلُ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ أَنْوَارُ الْأَبْصَارِ وَالْأَنْبِيَاءُ هُمُ الْكَحَّالُونَ ، وَقَدْ جَاءُوا دَاعِينَ إِلَى التَّوْحِيدِ الْمَحْضِ وَتَرْجَمَتُهُ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يَرَى إِلَّا الْوَاحِدَ الْحَقَّ وَالْوَاصِلُونَ إِلَى كَمَالِ التَّوْحِيدِ هُمُ الْأَقَلُّونَ ، وَالْجَاحِدُونَ وَالْمُشْرِكُونَ أَيْضًا قَلِيلُونَ ، وَهُمْ عَلَى الطَّرَفِ الْأَقْصَى الْمُقَابِلِ لِطَرَفِ التَّوْحِيدِ ، إِذْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ، فَكَانُوا دَاخِلِينَ فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِ التَّوْحِيدِ دُخُولًا ضَعِيفًا وَالْمُتَوَسِّطُونَ هُمُ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِمْ مَنْ تَنْفَتِحُ بَصِيرَتُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَتَلُوحُ لَهُ حَقَائِقُ التَّوْحِيدِ ، وَلَكِنْ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ لَا يَثْبُتُ وَفِيهِمْ مَنْ يَلُوحُ لَهُ ذَلِكَ وَيُثْبِتُ زَمَانًا وَلَكِنْ لَا يَدُومُ وَالدَّوَامُ فِيهِ عَزِيزٌ .
لِكُلٍّ إِلَى شَأْوِ الْعُلَا حَرَكَاتٌ وَلَكِنْ عَزِيزٌ فِي الرِّجَالِ ثَبَاتُ
وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَلَبِ الْقُرْبِ فَقِيلَ لَهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=102991قَالَ فِي سُجُودِهِ : أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ ، مِنْ سُخْطِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ .
فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ كَلَامٌ عَنْ مُشَاهَدَةِ فِعْلِ اللَّهِ فَقَطْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ إِلَّا اللَّهَ وَأَفْعَالَهُ فَاسْتَعَاذَ بِفِعْلِهِ مِنْ فِعْلِهِ ثُمَّ اقْتَرَبَ فَفَنِيَ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْأَفْعَالِ ، وَتَرَقَّى إِلَى مَصَادِرِ الْأَفْعَالِ ، وَهِيَ الصِّفَاتُ ، فَقَالَ : أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سُخْطِكَ ، وَهُمَا صِفَتَانِ ثُمَّ رَأَى ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي التَّوْحِيدِ فَاقْتَرَبَ وَرَقِي مِنْ مَقَامِ مُشَاهَدَةِ الصِّفَاتِ إِلَى مُشَاهَدَةِ الذَّاتِ ، فَقَالَ وَأَعُوذُ : بِكَ مِنْكَ ، وَهَذَا فِرَارٌ مِنْهُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ فِعْلٍ وَصِفَةٍ وَلَكِنَّهُ ، رَأَى نَفْسَهُ فَارًّا مِنْهُ إِلَيْهِ وَمُسْتَعِيذًا وَمُثْنِيًا فَفَنِيَ عَنْ مُشَاهَدَةِ نَفْسِهِ إِذْ رَأَى ذَلِكَ نُقْصَانًا وَاقْتَرَبَ فَقَالَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ : أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ .