فمن هذا الجنس تكلموا في وحاصل ذلك تعلق بعمومات تقبل التأويلات وبكلمات قاصرة لا تبعد مناقضتها ، إذ كما يناقض قول من فضل الغنى بأنه صفة الحق بالتكبر فكذلك يناقض قول من ذم الغنى لأنه وصف للعبد بالعلم والمعرفة فإنه وصف الرب تعالى ، والجهل والغفلة وصف العبد وليس لأحد أن يفضل الغفلة على العلم ، فكشف الغطاء عن هذا هو ما ذكرناه في كتاب الصبر وهو أن ما لا يراد لعينه بل يراد لغيره فينبغي أن يضاف إلى مقصوده ، إذ به يظهر فضله والدنيا ليست محذورة لعينها ولكن لكونها عائقة عن الوصول إلى الله تعالى ، ولا الفقر مطلوبا لعينه لكن لأن فيه فقد العائق عن الله تعالى وعدم الشاغل عنه ، وكم من غني لم يشغله الغنى عن الله عز وجل مثل تفضيل الغنى والفقر ، سليمان عليه السلام وعثمان رضي الله تعالى عنهما وكم من فقير شغله الفقر وصرفه عن القصد وغاية المقصد في الدنيا هو حب الله تعالى والأنس به ولا يكون ذلك إلا بعد معرفته ، وسلوك سبيل المعرفة مع الشواغل غير ممكن ، والفقر قد يكون من الشواغل كما الغنى قد يكون من الشواغل ، وإنما الشاغل على التحقيق حب الدنيا إذ لا يجتمع معه حب الله تعالى في القلب ، والمحب للشيء مشغول به سواء كان في فراقه ، أو في وصاله ، وربما يكون شغله في الفراق أكثر ، وربما يكون شغله في الوصال أكثر والدنيا معشوقة الغافلين المحروم منها مشغول بطلبها والقادر عليها مشغول بحفظها والتمتع بها فإذا ، إن فرضت فارغين عن حب المال بحيث صار المال في حقهما كالماء استوى الفاقد والواجد ، إذ كل واحد غير متمتع إلا بقدر الحاجة ووجود قدر الحاجة أفضل من فقده ، إذ الجائع يسلك سبيل الموت لا سبيل المعرفة ، وإن أخذت الأمر باعتبار الأكبر فالفقير عن الخطر أبعد إذ فتنة السراء أشد من فتنة الضراء ومن العصمة أن لا يقدر ولذلك قال الصحابة : رضي الله تعالى عنهم : بلينا بفتنة الضراء فصبرنا وبلينا بفتنة السراء فلم نصبر وهذه خلقة الآدميين كلهم إلا الشاذ الفذ الذي لا يوجد في الأعصار الكثيرة إلا نادرا . وعبد الرحمن بن عوف
ولما كان خطاب الشرع مع الكل لا مع ذلك النادر ، والضراء أصلح للكل دون ذلك النادر زجر الشرع عن الغنى وذمه وفضل الفقر ومدحه حتى قال المسيح عليه السلام : لا تنظروا إلى أموال أهل الدنيا ، فإن بريق أموالهم يذهب بنور إيمانكم .
وقال بعض العلماء : تقليب الأموال يمص حلاوة الإيمان .
وفي الخبر إن لكل أمة عجلا وعجل هذه الأمة الدينار والدرهم وكان أصل عجل قوم موسى من حلية الذهب والفضة أيضا واستواء المال والماء والذهب والحجر إنما يتصور للأنبياء عليهم السلام والأولياء .