95 - ( فصل )
nindex.php?page=treesubj&link=14383والقياس وأصول الشريعة تشهد للقافة : لأن القول بها حكم يستند إلى درك أمور خفية وظاهرة ، توجب للنفس سكونا ، فوجب اعتباره كنقد الناقد ، وتقويم المقوم .
وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=13436أبو محمد ابن قتيبة : أن قائفا كان يعرف أثر الأنثى من أثر الذكر . وأما قولهم : " إنه يعتمد الشبه " فنعم ، وهو حق ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26218قالت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة : يا رسول الله : أو تحتلم المرأة ؟ قال : تربت يداك ، فبم يشبهها ولدها ؟ } متفق عليه .
nindex.php?page=showalam&ids=17080ولمسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك عن
أم سليم قالت : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22018وهل يكون هذا - يعني الماء - [ ص: 185 ] فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فمن أين يكون الشبه ؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر ، فمن أيهما علا - أو سبق - يكون الشبه منه } .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4737أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تغتسل المرأة إذا هي احتلمت ، وأبصرت الماء ؟ فقال : نعم ، فقالت لها nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : تربت يداك وألت ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعيها ، وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك ؟ } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم
. وله أيضا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11806أبي أسماء الرحبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=99ثوبان ، قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22529كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد - الحديث بطوله - إلى أن قال : جئت أسألك عن الولد ؟ فقال : ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة : أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله } . وسمعت
شيخنا رحمه الله يقول : في صحة هذا اللفظ نظر . قلت : لأن المعروف المحفوظ في ذلك ، إنما هو تأثير سبق الماء في الشبه وهو الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ( 182 ) من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : " أن
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة ، فأتاه ، فسأله عن أشياء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39235وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد } .
فهذا السؤال الذي سأل عنه
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ، والجواب الذي أجابه به النبي صلى الله عليه وسلم هو نظير السؤال الذي سأل عنه الحبر ، والجواب واحد ، ولا سيما إن كانت القصة واحدة ، والحبر هو
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ، فإنه سأله وهو على دين
اليهود ، فأنسي اسمه ،
nindex.php?page=showalam&ids=99وثوبان قال : " جاء حبر من
اليهود " وإن كانتا قصتين والسؤال واحد فلا بد أن يكون الجواب كذلك " .
وهذا يدل على أنهم إنما سألوا عن الشبه ، ولهذا وقع الجواب به وقامت به الحجة ، وزالت به الشبهة . وأما الإذكار والإيناث : فليس بسبب طبيعي ، وإنما سببه : الفاعل المختار الذي يأمر الملك به ،
[ ص: 186 ] مع تقدير الشقاوة والسعادة ، والرزق ، والأجل ، ولذلك جمع بين هذه الأربع في الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25254فيقول الملك : يا رب ، ذكر ؟ يا رب ، أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء ، ويكتب الملك } .
وقد رد سبحانه ذلك إلى محض مشيئته في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=49يهب لمن يشاء إناثا ، ويهب لمن يشاء الذكور ، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما } .
والتعليق بالمشيئة - وإن كان لا ينافي ثبوت السبب بذلك - إذا علم كون الشيء سببا ، دل على سببيته بالعقل وبالنص ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث
أم سليم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34853ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر ، فمن أيهما علا - أو سبق - يكون الشبه } فجعل للشبه سببين : علو الماء ، وسبقه .
وبالجملة : فعامة الأحاديث إنما هي تأثير سبق الماء وعلوه في الشبه ، وإنما جاء تأثير ذلك في الإذكار والإيناث في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=99ثوبان وحده ، وهو فرد بإسناده ، فيحتمل أنه اشتبه على الراوي فيه الشبه بالإذكار والإيناث ، وإن كان قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهو الحق الذي لا شك فيه ، ولا ينافي سائر الأحاديث ، فإن الشبه من السبق . والإذكار والإيناث : من العلو ، وبينهما فرق ، وتعليقه على المشيئة لا ينافي تعليقه على السبب ، كما أن الشقاوة والسعادة والرزق معلقات بالمشيئة ، وحاصلة بالسبب ، والله أعلم .
والمقصود : أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر الشبه في لحوق النسب وهذا معتمد القائف ، لا معتمد له سواه .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة المتلاعنين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11721إن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الأليتين ، خدلج الساقين ، فهو لشريك ابن سحماء فجاءت به كذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فاعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الشبه وجعله لمشبهه .
[ ص: 187 ]
فإن قيل : فهذا حجة عليكم ، لأنه - مع صريح الشبه - لم يلحقه بمشبهه في الحكم .
قيل : إنما منع إعمال الشبه لقيام مانع اللعان : ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33748لولا الأيمان لكان لي ولها شأن } فاللعان سبب أقوى من الشبه ، قاطع النسب ، وحيث اعتبرنا الشبه في لحوق النسب فإنما ذاك إذا لم يقاومه سبب أقوى منه ، ولهذا لا يعتبر مع الفراش ، بل يحكم بالولد للفراش ، وإن كان الشبه لغير صاحبه ، كما حكم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة
عبد بن زمعة بالولد المتنازع فيه لصاحب الفراش ، ولم يعتبر الشبه المخالف له ، فأعمل النبي صلى الله عليه وسلم الشبه في حجب
سودة ، حيث انتفى المانع من إعماله في هذا الحكم بالشبه إليها ، ولم يعمله في النسب لوجود الفراش .
وأصول الشرع وقواعده ، والقياس الصحيح : تقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب ، والشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها .
ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الأسباب : من شهادة المرأة الواحدة على الولادة ، والدعوى المجردة مع الإمكان ، وظاهر الفراش ، فلا يستبعد أن يكون الخالي عن سبب مقاوم له كافيا في ثبوته ، ولا نسبة بين قوة اللحاق بالشبه وبين ضعف اللحاق لمجرد العقد ، مع القطع بعدم الاجتماع ، في مسألة المشرقية والمغربي .
95 - ( فَصْلٌ )
nindex.php?page=treesubj&link=14383وَالْقِيَاسُ وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ تَشْهَدُ لِلْقَافَةِ : لِأَنَّ الْقَوْلَ بِهَا حُكْمٌ يَسْتَنِدُ إلَى دَرْكِ أُمُورٍ خَفِيَّةٍ وَظَاهِرَةٍ ، تُوجِبُ لِلنَّفْسِ سُكُونًا ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَنَقْدِ النَّاقِدِ ، وَتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِ .
وَقَدْ حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13436أَبُو مُحَمَّدِ ابْنُ قُتَيْبَةَ : أَنَّ قَائِفًا كَانَ يَعْرِفُ أَثَرَ الْأُنْثَى مِنْ أَثَرِ الذَّكَرِ . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : " إنَّهُ يَعْتَمِدُ الشَّبَهَ " فَنَعَمْ ، وَهُوَ حَقٌّ ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26218قَالَتْ nindex.php?page=showalam&ids=54أُمُّ سَلَمَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَوَ تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ ؟ قَالَ : تَرِبَتْ يَدَاكِ ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا ؟ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
nindex.php?page=showalam&ids=17080وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ
أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22018وَهَلْ يَكُونُ هَذَا - يَعْنِي الْمَاءَ - [ ص: 185 ] فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ ؟ إنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ ، وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا - أَوْ سَبَقَ - يَكُونُ الشَّبَهُ مِنْهُ } .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4737أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ تَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ ، وَأَبْصَرَتْ الْمَاءَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَتْ لَهَا nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ : تَرِبَتْ يَدَاكِ وَأُلَّتْ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعِيهَا ، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إلَّا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ ؟ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ
. وَلَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11806أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=99ثَوْبَانَ ، قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22529كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدٌ - الْحَدِيثَ بِطُولِهِ - إلَى أَنْ قَالَ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ الْوَلَدِ ؟ فَقَالَ : مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا ، فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ : أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ } . وَسَمِعْتُ
شَيْخَنَا رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : فِي صِحَّةِ هَذَا اللَّفْظِ نَظَرٌ . قُلْتُ : لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ الْمَحْفُوظَ فِي ذَلِكَ ، إنَّمَا هُوَ تَأْثِيرُ سَبْقِ الْمَاءِ فِي الشَّبَهِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ( 182 ) مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ : " أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ ، فَأَتَاهُ ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39235وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ } .
فَهَذَا السُّؤَالُ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ ، وَالْجَوَابُ الَّذِي أَجَابَهُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ نَظِيرُ السُّؤَالِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ الْحَبْرُ ، وَالْجَوَابُ وَاحِدٌ ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً ، وَالْحَبْرُ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، فَإِنَّهُ سَأَلَهُ وَهُوَ عَلَى دِينِ
الْيَهُودِ ، فَأُنْسِيَ اسْمُهُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=99وَثَوْبَانُ قَالَ : " جَاءَ حَبْرٌ مِنْ
الْيَهُودِ " وَإِنْ كَانَتَا قِصَّتَيْنِ وَالسُّؤَالُ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ " .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا سَأَلُوا عَنْ الشَّبَهِ ، وَلِهَذَا وَقَعَ الْجَوَابُ بِهِ وَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ ، وَزَالَتْ بِهِ الشُّبْهَةُ . وَأَمَّا الْإِذْكَارُ وَالْإِينَاثُ : فَلَيْسَ بِسَبَبٍ طَبِيعِيٍّ ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ : الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ الَّذِي يَأْمُرُ الْمَلَكُ بِهِ ،
[ ص: 186 ] مَعَ تَقْدِيرِ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ ، وَالرِّزْقِ ، وَالْأَجَلِ ، وَلِذَلِكَ جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَرْبَعِ فِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25254فَيَقُولُ الْمَلَكُ : يَا رَبِّ ، ذَكَرٌ ؟ يَا رَبِّ ، أُنْثَى ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ } .
وَقَدْ رَدَّ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ إلَى مَحْضِ مَشِيئَتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=49يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا ، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا } .
وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ - وَإِنْ كَانَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ السَّبَبِ بِذَلِكَ - إذَا عَلِمَ كَوْنَ الشَّيْءِ سَبَبًا ، دَلَّ عَلَى سَبَبِيَّتِهِ بِالْعَقْلِ وَبِالنَّصِّ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ
أُمِّ سُلَيْمٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34853مَاءُ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا - أَوْ سَبَقَ - يَكُونُ الشَّبَهُ } فَجَعَلَ لِلشَّبَهِ سَبَبَيْنِ : عُلُوَّ الْمَاءِ ، وَسَبْقَهُ .
وَبِالْجُمْلَةِ : فَعَامَّةُ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا هِيَ تَأْثِيرُ سَبْقِ الْمَاءِ وَعُلُوِّهِ فِي الشَّبَهِ ، وَإِنَّمَا جَاءَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ فِي الْإِذْكَارِ وَالْإِينَاثِ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=99ثَوْبَانَ وَحْدَهُ ، وَهُوَ فَرْدٌ بِإِسْنَادِهِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي فِيهِ الشَّبَهُ بِالْإِذْكَارِ وَالْإِينَاثِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ ، وَلَا يُنَافِي سَائِرَ الْأَحَادِيثِ ، فَإِنَّ الشَّبَهَ مِنْ السَّبْقِ . وَالْإِذْكَارَ وَالْإِينَاثَ : مِنْ الْعُلُوِّ ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ ، وَتَعْلِيقُهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ لَا يُنَافِي تَعْلِيقَهُ عَلَى السَّبَبِ ، كَمَا أَنَّ الشَّقَاوَةَ وَالسَّعَادَةَ وَالرِّزْقَ مُعَلَّقَاتٌ بِالْمَشِيئَةِ ، وَحَاصِلَةٌ بِالسَّبَبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَبَرَ الشَّبَهَ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ وَهَذَا مُعْتَمَدُ الْقَائِفِ ، لَا مُعْتَمَدَ لَهُ سِوَاهُ .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11721إنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ ، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ ، فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فَاعْتَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّبَهَ وَجَعَلَهُ لِمُشَبَّهِهِ .
[ ص: 187 ]
فَإِنْ قِيلَ : فَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ ، لِأَنَّهُ - مَعَ صَرِيحِ الشَّبَهِ - لَمْ يَلْحَقْهُ بِمُشَبَّهِهِ فِي الْحُكْمِ .
قِيلَ : إنَّمَا مَنَعَ إعْمَالَ الشَّبَهِ لِقِيَامِ مَانِعِ اللِّعَانِ : وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33748لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ } فَاللِّعَانُ سَبَبٌ أَقْوَى مِنْ الشَّبَهِ ، قَاطِعُ النَّسَبِ ، وَحَيْثُ اعْتَبَرْنَا الشَّبَهَ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ فَإِنَّمَا ذَاكَ إذَا لَمْ يُقَاوِمْهُ سَبَبٌ أَقْوَى مِنْهُ ، وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْفِرَاشِ ، بَلْ يَحْكُمُ بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ ، وَإِنْ كَانَ الشَّبَهُ لِغَيْرِ صَاحِبِهِ ، كَمَا حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ
عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ بِالْوَلَدِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّبَهَ الْمُخَالِفَ لَهُ ، فَأَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّبَهَ فِي حَجْبِ
سَوْدَةَ ، حَيْثُ انْتَفَى الْمَانِعُ مِنْ إعْمَالِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِالشَّبَهِ إلَيْهَا ، وَلَمْ يُعْمِلْهُ فِي النَّسَبِ لِوُجُودِ الْفِرَاشِ .
وَأُصُولُ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدُهُ ، وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ : تَقْتَضِي اعْتِبَارَ الشَّبَهِ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ ، وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ إلَى اتِّصَالِ الْأَنْسَابِ وَعَدَمِ انْقِطَاعِهَا .
وَلِهَذَا اكْتَفَى فِي ثُبُوتِهَا بِأَدْنَى الْأَسْبَابِ : مِنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ ، وَالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ ، وَظَاهِرِ الْفِرَاشِ ، فَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَكُونَ الْخَالِي عَنْ سَبَبٍ مُقَاوِمٍ لَهُ كَافِيًا فِي ثُبُوتِهِ ، وَلَا نِسْبَةَ بَيْنَ قُوَّةِ اللِّحَاقِ بِالشَّبَهِ وَبَيْنَ ضَعْفِ اللِّحَاقِ لِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ، مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ ، فِي مَسْأَلَةِ الْمَشْرِقِيَّةِ وَالْمَغْرِبِيِّ .