30 - ( فصل )
في وقد اختلفت الآثار في ذلك . القضاء بالنكول ورد اليمين
فروى عن مالك يحيى بن سعيد عن : " أن سالم بن عبد الله باع غلاما له بثمانمائة درهم ، وباعه بالبراءة ، فقال الذي ابتاعه عبد الله بن عمر : بالغلام داء لم تسمه ؟ فقال لعبد الله بن عمر : إني بعته بالبراءة ، فاختصما إلى عبد الله بن عمر فقضى على عثمان بن عفان باليمين ، أن يحلف له : لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه ، فأبى عبد الله بن عمر أن يحلف له ، وارتجع العبد ، فباعه عبد الله بألف وخمسمائة درهم " . عبد الله بن عمر
قال : وحكم أبو عبيد على عثمان في العبد الذي كان باعه بالبراءة . فرده عليه ابن عمر حين نكل عن اليمين ، ثم لم ينكر ذلك عثمان من حكمه ورآه لازما . ابن عمر
فهل يوجد إمامان أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمعنى حديثه منهما ؟ فذهب إلى ذلك أبو حنيفة في المشهور من مذهبه . وأحمد
وأما رد اليمين : فقال أبو عبيد : حدثونا عن مسلمة بن علقمة عن عن داود بن أبي هند الشعبي : " أن استسلف من المقداد سبعة آلاف درهم . فلما قضاها أتاه بأربعة آلاف ، فقال عثمان : إنها سبعة ، فقال عثمان : ما كانت إلا أربعة ، فما زالا حتى ارتفعا إلى المقداد ، فقال عمر : يا أمير المؤمنين ، ليحلف أنها كما يقول ، وليأخذها . فقال المقداد : أنصفك ، احلف أنها كما تقول ، وخذها " . عمر
قال أبو عبيد : فهذا قد حكم برد اليمين ، ورأى ذلك عمر ، ولم ينكره المقداد ، فهؤلاء ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عملوا برد اليمين . عثمان
وحدثنا يزيد عن هشام ، عن ، عن ابن سيرين : أنه كان إذا قضى على رجل باليمين ، فردها على الطالب ، فلم يحلف : لم يعطه شيئا ، ولم يستحلف الآخر . شريح
وحدثنا ، عن عباد بن العوام الأشعث ، عن ، عن الحكم بن عتيبة : أن أباه كان إذا قضى على رجل باليمين ، فردها على الذي يدعي ، فأبى أن يحلف : لم يجعل له شيئا ، وقال : لا أعطيك ما لا تحلف عليه . عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
قال : على أن رد اليمين له أصل في الكتاب والسنة . فالذي في الكتاب : قول الله تعالى : [ ص: 77 ] { أبو عبيد اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } .
ثم قال : { فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان . فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما . وما اعتدينا . إنا إذا لمن الظالمين . ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم } .
وأما السنة : فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة بالأيمان على المدعين ، فقال : { } . تستحقون دم صاحبكم بأن يقسم خمسون : أن يهودا قتلته . فقالوا : كيف نقسم على شيء لم نحضره ؟ قال : فيحلف لكم خمسون من يهود ما قتلوه
قال : فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الآخرين ، بعد أن حكم بها للأولين . فهذا هو الأصل في رد اليمين . قلت : وهذا مذهب الشافعي . ومالك
وصوبه . قال شيخ الإسلام الإمام أحمد ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه : وليس المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم في النكول ورد اليمين بمختلف ، بل هذا له موضع ، وهذا له موضع ، فكل موضع أمكن المدعي معرفته والعلم به فرد المدعى عليه اليمين ، فإنه إن حلف استحق ، وإن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه . وهذا كحكومة عثمان ، فإن والمقداد قال المقداد : " احلف أن الذي دفعته إلي كان سبعة آلاف وخذها " فإن المدعي هنا يمكنه معرفة ذلك والعلم به ، كيف وقد ادعى به ؟ فإذا لم يحلف لم يحكم له إلا ببينة أو إقرار . لعثمان
وأما إذا كان المدعي لا يعلم ذلك ، والمدعى عليه هو المنفرد بمعرفته ، فإنه إذا نكل عن اليمين حكم عليه بالنكول ، ولم ترد على المدعي ، كحكومة وغريمه في الغلام . فإن عبد الله بن عمر قضى عليه " أن يحلف أنه باع الغلام وما به داء يعلمه " وهذا يمكن أن يعلمه البائع ، فإنه إنما استحلفه على نفي العلم : أنه لا يعلم به داء ، فلما امتنع من هذه اليمين قضى عليه بنكوله . عثمان
وعلى هذا : إذا وجد بخط أبيه في دفتره : أن له على فلان كذا وكذا ، فادعى به عليه ، فنكل . وسأله إحلاف المدعي : أن أباه أعطاني هذا ، أو أقرضني إياه ، لم ترد عليه اليمين ، فإن حلف المدعى عليه ، وإلا قضي عليه بالنكول ، لأن المدعى عليه يعلم ذلك .
وكذلك لو ادعى عليه : أن فلانا أحالني [ ص: 78 ] عليك بمائة ، فأنكر المدعى عليه ونكل عن اليمين ، وقال للمدعي : أنا لا أعلم أن فلانا أحالك " ، ولكن احلف وخذ ، فهاهنا إن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه . وهذا الذي اختاره شيخنا رحمه الله هو فصل النزاع في النكول ورد اليمين ، وبالله التوفيق .