الباب التاسع عشر في تجيب- وهم من السكون- إليه صلى الله عليه وسلم وفود
قدم وفد تجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة عشر رجلا ، وساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عز وجل ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأكرم منزلهم .
وقالوا : يا رسول الله سقنا إليك حق الله في أموالنا . فقال صلى الله عليه وسلم : «ردوها فاقسموها على فقرائكم» . قالوا : يا رسول الله ما قدمنا عليك إلا بما فضل من فقرائنا . فقال يا رسول الله ما قدم علينا وفد من أبو بكر : العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من تجيب . فقال صلى الله عليه وسلم : «إن الهدى بيد الله عز وجل ، فمن أراد الله به خيرا شرح صدره للإيمان» .
وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء فكتب لهم بها ، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن ، فازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم رغبة وأمر أن يحسن ضيافتهم . بلالا
فأقاموا أياما ولم يطيلوا اللبث . فقيل لهم : ما يعجلكم ؟ قالوا : نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلامنا إياه ، وما رد علينا ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعونه فأمر فأجازهم بأرفع مما كان يجيز به الوفود وقال : «هل بقي منكم أحد ؟ » قالوا : غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سنا . قال : «أرسلوه إلينا» . فلما رجعوا إلى رحالهم قالوا للغلام : انطلق إلى رسول الله فاقض حاجتك منه فإنا قد قضينا حوائجنا منه وودعناه . بلالا
فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني غلام من بني أبذى من الرهط الذين أتوك آنفا فقضيت حوائجهم فاقض حاجتي يا رسول الله . قال : «وما حاجتك ؟ » قال : «يا رسول الله إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي ، وإن كانوا قد قدموا راغبين في الإسلام وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم وإني والله ما أعملني من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني وأن يجعل غناي في قلبي» . فقال : صلى الله عليه وسلم : «اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه» . ثم أمر به بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه .
فانطلقوا راجعين إلى أهليهم ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى سنة عشر فقالوا نحن بنو أبذى ، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلام فقالوا : يا رسول الله : والله ما رأينا مثله قط ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله ، لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت إليها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعا» . فقال رجل منهم : أو ليس يموت الرجل جميعا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا فلعل أجله يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبالي الله عز وجل في أيها هلك» .
قالوا فعاش ذلك الرجل فينا على أفضل حال وأزهده في الدنيا وأقنعه بما رزقه الله . فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام قام في قومه فذكرهم الله والإسلام فلم يرجع منهم أحد . وجعل [ ص: 286 ] أبو بكر
رضي الله تعالى عنه يذكره ويسأل عنه حتى بلغه حاله وما قام به . فكتب إلى زياد بن لبيد يوصيه به خيرا .