الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني والأربعون في وفود خولان إليه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : قدم وفد خولان وهم عشرة نفر في شعبان سنة عشر ، فقالوا : يا رسول الله نحن مؤمنون بالله ومصدقون برسوله ، ونحن على من وراءنا من قومنا ، وقد ضربنا إليك آباط الإبل ، وركبنا حزون الأرض وسهولها ، والمنة لله ولرسوله علينا ، وقدمنا زائرين لك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما ما ذكرتم من مسيركم إلي فإن لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة ، وأما قولكم زائرين لك فإنه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم القيامة» . فقالوا : يا رسول الله هذا السفر الذي لا توى عليه . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما فعل عم أنس ؟ » وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه . قالوا : بشر وعر ، أبدلنا الله به ما جئت به ، ولو قد رجعنا إليه لهدمناه ، وبقيت منا بعد بقايا من شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسكون به ولو قد قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله تعالى فقد كنا منه في غرور وفتنة . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وما أعظم ما رأيتم من فتنته ؟ » قالوا : لقد رأيتنا وأسنتنا حتى أكلنا الرمة ، فجمعنا ما قدرنا عليه وابتعنا مائة ثور ونحرناها لعم أنس قربانا في غداة واحدة ، وتركناها تردها السباع ونحن أحوج إليها من السباع ، فجاءنا الغيث من ساعتنا ، ولقد رأينا العشب يواري الرجل ، فيقول قائلنا : أنعم علينا عم أنس . [ ص: 332 ]

                                                                                                                                                                                                                              وذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقسمون لصنمهم هذا من أنعامهم وحروثهم وأنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءا له وجزءا لله بزعمهم .

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : كنا نزرع الزرع فنجعل له وسطه ، فنسميه له ، ونسمي زرعا آخر حجرة لله ، فإذا مالت الريح فالذي سميناه لله جعلناه لعم أنس ، وإذا مالت الريح فالذي سميناه لعم أنس جعلناه لله . فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قد أنزل عليه في ذلك : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون [الأنعام 136] .

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : وكنا نتحاكم إليه فنكلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تلك الشياطين تكلمكم» . قالوا : إنا أصبحنا يا رسول الله وقلوبنا تعرف أنه كان لا يضر ولا ينفع ، ولا يدري من عبده ممن لم يعبده . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحمد لله الذي هداكم وأكرمكم بمحمد صلى الله عليه وسلم» . وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء من أمر دينهم ، فجعل يخبرهم بها وأمر من يعلمهم القرآن والسنن ، وأمرهم بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة وحسن الجوار وألا يظلموا أحدا . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الظلم ظلمات يوم القيامة» .

                                                                                                                                                                                                                              وأنزلوا دار رملة بنت الحدث ، وأمر بضيافة ، فأجريت عليهم ، ثم جاءوا بعد أيام يودعونه ، فأمر لهم بجوائز باثنتي عشرة أوقية ونشا ، ورجعوا إلى قومهم فلم يحلوا عقدة حتى هدموا عم أنس وحرموا ما حرم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحلوا ما أحل لهم
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيه : في بيان غريب ما سبق :

                                                                                                                                                                                                                              خولان : بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو .

                                                                                                                                                                                                                              من وراءنا : بفتح الميم .

                                                                                                                                                                                                                              آباط الإبل : بهمزة مفتوحة فألف فموحدة فألف فطاء مهملة : جمع إبط .

                                                                                                                                                                                                                              الحزون : بضم الحاء المهملة والزاي جمع حزن بفتح الحاء وسكون الزاي : ما غلظ من الأرض .

                                                                                                                                                                                                                              الخطوة : بضم الخاء المعجمة وفتحها ، فبالأول ما بين القدمين- وجمع القلة خطوات والكثرة خطاء- وبالثاني المرة الواحدة .

                                                                                                                                                                                                                              الجوار : بكسر الجيم وضمها : الذمام والعهد والتأمين . [ ص: 333 ]

                                                                                                                                                                                                                              التوى : بفوقية فواو مفتوحتين فألف مقصورة : هلاك المال ، يقال توي المال بالكسر يتوى بالفتح توى وأتوا ، غيره .

                                                                                                                                                                                                                              رأيتنا : بضم الفوقية .

                                                                                                                                                                                                                              أسنتنا : بهمزة قطع مفتوحة فسين مهملة ساكنة فنون مفتوحة ففوقية فنون : أجدبنا بإصابة السنة يقال أسنت فهو مسنت إذا أجدب .

                                                                                                                                                                                                                              الرمة : بكسر الراء وتشديد الميم المفتوحة فتاء التأنيث : العظام البالية .

                                                                                                                                                                                                                              الزعم : بتثليث الزاي .

                                                                                                                                                                                                                              وسطه : بفتح السين المهملة وسكونها .

                                                                                                                                                                                                                              الحجرة : بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم : الناحية .

                                                                                                                                                                                                                              فنكلم : بضم النون وفتح اللام المشددة مبني للمفعول أي يكلمنا . [ ص: 334 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية