الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              السادس : في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الصيام ، وما يتعلق به

                                                                                                                                                                                                                              روى الترمذي واستغربه وابن شاهين في الترغيب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل ؟ قال : شعبان لتعظيم رمضان ، قال : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : صدقة رمضان .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ، قال : الصلاة في جوف الليل ، قال : فأي الصيام أفضل بعد رمضان ؟ قال : شهر الله الذي تدعونه المحرم [ ص: 257 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال : هل عندكم شيء ؟ قلنا : لا ، قال : «فإني صائم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن أم هانئ- رضي الله تعالى عنها- قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت ، فقالت : يا رسول الله ، أما إني كنت صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام ، وإن شاء أفطر» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني عن إبراهيم بن عبيد ، قال : صنع أبو سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- طعاما فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال رجل من القوم : إني صائم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صنع لك أخوك ، وتكلف لك أخوك ، أفطر وصم يوما مكانه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت أهديت لحفصة شاة ، ونحن صائمتان ففطرتني فكانت ابنة أبيها فلما دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له ، فقال : «أبدلا يوما مكانه»

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي والدارقطني عن فضالة بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صائما فقاء ، فأفطر ، فسئل عن ذلك فقال : إني قئت .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني عن ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في غير رمضان ، فأصابه غم آذاه فتقيأ فقاء ، فدعا بوضوء فتوضأ ثم أفطر ، فقلت : يا رسول الله ، أفريضة الوضوء من القيء ؟ قال : لو كان فريضة لوجدته في القرآن ، قال : ثم صام رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد ، فسمعته يقول : «هذا مكان إفطاري أمس»

                                                                                                                                                                                                                              عتبة بن السكن متروك الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قد اشتكيت عيني أفأكتحل وأنا صائم ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله تعالى عنهما- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : سل هذه «لأم سلمة» فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              . . وروى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال : هششت يوما فقبلت وأنا صائم ، فقلت : يا رسول الله ، صنعت اليوم أمرا عظيما وأنا صائم ، قال : أرأيت لو تمضمضت بالماء ، وأنت صائم ؟ قلت : لا بأس به قال : «فمه» [ ص: 258 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن النجار عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أن شيخا وشابا سألا رسول الله عن القبلة للصائم فنهى الشاب ورخص للشيخ .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- «أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له ، وأتاه آخر فنهاه ، فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن النجار عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني كنت صائما فأكلت وشربت ناسيا فقال : أطعمك الله وسقاك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن أم إسحاق الغنوية- رضي الله تعالى عنها- قالت : إنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بقصعة فأكلت معه ، ومعه ذو اليدين فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقا فقال : يا أم إسحاق ، أصيبي من هذا ، فذكرت أنها كانت صائمة ، فرددت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما لك ؟ قالت : كنت صائمة فنسيت ، فقال ذو اليدين : آلآن بعدما شبعت ؟

                                                                                                                                                                                                                              فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتمي صومك ، فإنما هو رزق ساقه الله إليك .


                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري والنسائي عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [البقرة : 187] أي الخيطان قال : إنك لعريض القفا ، إن أبصرت الخيطين ثم قال : لا بل إنهما سواد الليل ، وبياض النهار .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال ، قالوا : إنك تواصل ، قال : إني لست مثلكم ، إني أطعم وأسقى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني من طرق عن حمزة بن عمرو الأسلمي- رضي الله تعالى عنه- أنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر فقال : إن شئت صم ، وإن شئت فأفطر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود والحاكم عن حمزة بن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه عن حمزة عن جده قال : قلت : يا رسول الله ، إني صاحب ظهر أعالجه ، أسافر عليه ، وأكر به وإنه ربما صادفني هذا الشهر- يعني رمضان- وأنا أجد القوة ، وأنا شاب ، وأجد بأن أصوم يا رسول الله ، أهون علي من أن أؤخره ، فيكون دينا ، أفأصوم يا رسول الله ، أعظم لأجري أو أفطر ؟ قال «أي ذلك شئت يا حمزة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام مالك والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة - رضي الله [ ص: 259 ] تعالى عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام ، فقال : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن كعب قال أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدى فقال : «ادن فكل» فقلت : إني صائم ، فقال «ادن أحدثك عن الصوم ، أو الصيام . إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم ، وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي عن محمد بن المنكدر- رحمه الله تعالى- قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء شهر رمضان ، فقال : أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضاه الدرهم والدرهمين حتى يقضيه هل كان ذلك قضاء للدين ؟ قالوا : نعم ، قال : فذلك نحوه .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الدارقطني عن جابر قال الدارقطني : إسناده حسن إلا أنه مرسل ، وهو أصح من المرسل ورواه البيهقي عن صالح بن كيسان .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني وضعفه عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قضاء رمضان فقال : يقضيه متتابعا ، فإن فرقه أجزأه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أمي ماتت ، وعليها صوم شهر ، فقال : أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته عنها ؟ قالت : نعم ، وفي لفظ للبخاري : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن أمي ماتت ، وعليها صوم شهر أفأقضيه ؟ قال : نعم ، وفي لفظ : خمسة عشر يوما وفي لفظ : إن أختي ماتت . . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود الطيالسي ومسلم والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، فقال : أرأيت لو كان على أمك دين ، أفأنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني وأبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : كنت وحفصة صائمتين ، فأهدي لها طعام ، فأفطرنا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فسألته إحداهما أحسبه قال حفصة ، قال : اقضيا يوما مكانه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فقال : يا رسول الله ، هلكت قال : ما أهلكك ؟ قال : وقعت على امرأتي ، وأنا صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هل تجد رقبة تعتقها ؟ » قال : لا ، قال : «فهل تجد [ ص: 260 ]

                                                                                                                                                                                                                              إطعام ستين مسكينا ؟ » قال : لا ، قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن كذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر . والعرق : المكتل قال : أين السائل ؟ قال : أنا ، قال : خذ هذا فتصدق به ، فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله ، ووالله ما بين لابتيها- يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : أطعمه أهلك .


                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن شاهين في الترغيب عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصيام ، فقال : صيام شعبان تعظيما لرمضان ، قيل : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : صدقة في رمضان .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والترمذي عن النعمان بن سعد قال : قال رجل لعلي- رضي الله تعالى عنه- : يا أمير المؤمنين ، أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ قال له : ما سمعت أحدا يسأل عن هذا إلا رجلا سمعته يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد ، فقال : يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ قال : «إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم ، فإنه شهر الله فيه يوم تاب على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والنسائي وابن زنجويه وأبو يعلى وابن أبي عاصم والباوردي والضياء عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال : قلت : يا رسول الله ، ما رأيتك تصوم شهرا من الشهور ، ما تصوم من شعبان ؟ قال : ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين ؟ فقال : «فيه ولدت ، وفيه أنزل علي» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والنسائي وابن زنجويه وسعيد بن منصور عن أسامة بن زيد قال : قلت : يا رسول الله ، إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر ، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما ، قال : أي يومين ؟ قلت : يوم الاثنين ويوم الخميس قال : ذاك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين ، فأحب أن يعرض عملي ، وأنا صائم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى عمر- رضي الله عنه- غضبه قال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وبيعتنا بيعة قال : فسئل عن صيام الدهر ؟ فقال : «لا صام ولا [ ص: 261 ]

                                                                                                                                                                                                                              أفطر (أو ما صام وما أفطر )» قال : فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم ؟ قال : «ومن يطيق ذلك» ؟

                                                                                                                                                                                                                              قال : وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم ؟ قال : «ذاك صوم أخي داود (عليه السلام )» قال : وسئل عن صوم يوم الاثنين ، قال : «ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت (أو أنزل علي فيه ) قال : فقال : «صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر» قال : وسئل عن صوم يوم عرفة ، فقال : «يكفر السنة الماضية والباقية» قال : وسئل عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : يكفر السنة الماضية .


                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن بشر بن الخصاصية- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصوم يوم الجمعة ؟ قال : لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية