وفي سنة سبع وثمانين أتاه كتاب من ملك الروم : نقفور ، بنقض الهدنة التي كانت عقدت بين المسلمين وبين الملكة ريني ملكة الروم .
وصورة الكتاب : (من نقفور ملك الروم إلى ملك هارون العرب ، أما بعد : [ ص: 462 ] فإن الملكة التي كانت قبلي كانت أقامتك مقام الرخ ، وأقامت نفسها مقام البيذق ، فحملت إليك من أموالها أحمالا ، وذلك لضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي . . فاردد ما حصل قبلك من أموالها ، وإلا . . . فالسيف بيننا وبينك ) .
فلما قرأ الكتاب . . استشاط غضبا حتى لم يتمكن أحد أن ينظر إلى وجهه دون أن يخاطبه ، وتفرق جلساؤه من الخوف ، واستعجم الرأي على الوزير ، فدعا الرشيد بدواة وكتب على ظهر كتابه : الرشيد
( بسم الله الرحمن الرحيم )
من أمير المؤمنين ، إلى هارون نقفور كلب الروم ، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة ، والجواب ما تراه لا ما تسمعه .
ثم سار ليومه ، فلم يزل حتى نازل مدينة هرقل ، وكانت غزوة مشهورة وفتحا مبينا ، فطلب النقفور الموادعة ، والتزم بخراج يحمله كل سنة ، فأجيب ، فلما رجع إلى الرشيد الرقة . . . نقض الكلب العهد; لإياسه من كرة في البرد ، فلم يجسر أحد أن يبلغ الرشيد نقضه ، بل قال الرشيد عبد الله بن يوسف التيمي :
نقض الذي أعطيته نقفور فعليه دائرة البوار تدور أبشر أمير المؤمنين فإنه
غنم أتاك به الإله كبير
وفي ذلك يقول : أبو العتاهية
ألا بادت هرقلة بالخراب من الملك الموفق للصواب
غدا يرعد بالمنايا ويبرق بالمذكرة القضاب هارون
ورايات يحل النصر فيها تمر كأنها قطع السحاب
هرقلة ، وبث جيوشه بأرض الروم ، فافتتح وفي سنة تسعين : فتح شراحيل بن معن بن زائدة حصن الصقالبة ، وافتتح يزيد بن مخلد ملقونية ، وسار حميد بن معيوف إلى قبرس فهدم وحرق وسبى من أهلها ستة عشر ألفا .