[ ص: 489 ] ] [امتحان الناس بالقول بخلق القرآن
وفي سنة ثمان عشرة : امتحن الناس بالقول بخلق القرآن ، فكتب إلى نائبه على بغداد : إسحاق بن إبراهيم الخزاعي ابن عم في امتحان العلماء كتابا يقول فيه : وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر له ولا روية ، ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه . . . أهل جهالة بالله وعمى عنه ، وضلالة عن حقيقة دينه ، وقصور : أن يقدروا الله حق قدره ، ويعرفوه كنه معرفته ، ويفرقوا بينه وبين خلقه; وذلك أنهم ساووا بين الله وبين خلقه وبين ما أنزل من القرآن ، فأطبقوا على : أنه قديم لم يخلقه الله ويخترعه ، وقد قال تعالى : طاهر بن الحسين { إنا جعلناه قرآنا عربيا } فكل ما جعله الله فقد خلقه ، كما قال تعالى : { وجعل الظلمات والنور } وقال تعالى: { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها ، وقال تعالى: { أحكمت آياته ثم فصلت } والله محكم كتابه ومفصله فهو خالقه ومبتدعه .
ثم انتسبوا إلى السنة ، وأنهم أهل الحق والجماعة ، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر ، فاستطالوا بذلك ، وغروا به الجهال; حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله إلى موافقتهم ، فنزعوا الحق إلى باطلهم ، واتخذوا دون الله وليجة إلى ضلالهم . . . إلى أن قال :
فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة; المنقوصون من التوحيد حظا ، وأوعية الجهالة ، وأعلام الكذب ، ولسان إبليس الناطق في أوليائه ، والهائل على أعدائه من أهل دين الله ، وأحق أن يتهم في صدقه ، وتطرح شهادته ولا يوثق به . . . من عمي عن رشده وحظه من الإيمان بالتوحيد ، وكان عما سوى ذلك أعمى وأضل سبيلا ، ولعمر أمير المؤمنين إن أكذب الناس : من كذب على الله ووحيه ، وتخرص الباطل ولم يعرف الله حقيقة معرفته .
فاجمع من بحضرتك من القضاة فاقرأ عليهم كتابنا ، وامتحنهم فيما يقولون ، واكشفهم عما يعتقدون في خلق الله وإحداثه ، وأعلمهم أني غير مستعين في عملي ، ولا واثق بمن لا يوثق بدينه .
[ ص: 490 ] فإذا أقروا بذلك ووافقوا . . . فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود ، ومسألتهم عن علمهم في القرآن ، وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوق ، واكتب إلينا بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم والأمر لهم بمثل ذلك .