[ ص: 564 ] خلافة المعتمد على الله
[256 - 279 ]
أبو العباس ، - وقيل : أبو جعفر - أحمد بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد ، ولد سنة تسع وعشرين ومائتين وأمه : رومية ، اسمها : فتيان .
ولما قتل المهتدي . . . كان المعتمد محبوسا بالجوسق ، فأخرجوه وبايعوه ، ثم إنه استعمل أخاه : الموفق طلحة على المشرق ، وصير ابنه جعفرا ولي عهد ، وولاه مصر والمغرب ، ولقبه : المفوض إلى الله .
وانهمك المعتمد في اللهو واللذات ، واشتغل عن الرعية ، فكرهه الناس ، وأحبوا أخاه طلحة .
وفي أيامه : دخلت الزنج البصرة وأعمالها وأخربوها ، وبذلوا السيف وأحرقوا وخربوا وسبوا ، وجرى بينهم وبين عسكره عدة وقعات ، وأمير عسكره في أكثرها : الموفق أخوه .
وأعقب ذلك الوباء الذي لا يكاد يتخلف عن الملاحم بالعراق ، فمات خلق لا يحصون ، ثم أعقبه هدات وزلازل ، فمات تحت الردم ألوف من الناس .
واستمر القتال مع الزنج من حين تولى المعتمد : سنة ست وخمسين إلى سنة سبعين ، فقتل فيها رأس الزنج لعنه الله; واسمه : بهبود ، وكان ادعى : أنه أرسل إلى الخلق فرد الرسالة ، وأنه يطلع على المغيبات .
وذكر الصولي : (أنه قتل من المسلمين : ألف ألف وخمسمائة ألف آدمي ، [ ص: 565 ] وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف ، وكان له منبر في مدينته ، يصعد عليه ، ويسب عثمان وعليا ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم .
وكان ينادي على المرأة العلوية في عسكره بدرهمين وثلاثة ، وكان عند الواحد من الزنج : العشرة من العلويات يطؤهن ويستخدمهن ) .
ولما قتل هذا الخبيث . . . دخل برأسه بغداد على رمح ، وعملت قباب الزينة ، وضج الناس بالدعاء للموفق ، ومدحه الشعراء ، وكان يوما مشهودا ، وأمن الناس وتراجعوا إلى المدن التي أخذها ، وهي كثيرة; كواسط ورامهرمز .
وفي سنة ستين من أيامه : وقع غلاء مفرط بالحجاز والعراق ، وبلغ كر الحنطة ببغداد مائة وخمسين دينارا .
وفيها : أخذت الروم بلد لؤلؤة .
وفي سنة إحدى وستين : بايع المعتمد بولاية العهد بعده لابنه المفوض إلى الله جعفر ، ثم من بعده لأخيه الموفق طلحة ، وولى ولده المغرب ، والشام ، والجزيرة ، وأرمينية ، وولى أخاه المشرق والعراق وبغداد والحجاز واليمن وفارس وأصبهان والري وخراسان وطبرستان وسجستان والسند ، وعقد لكل منهما لواءين : أبيض وأسود ، وشرط إن حدث . . . به حدث أن الأمر لأخيه إن لم يكن ابنه جعفر قد بلغ ، وكتب العهد ونفذه مع قاضي القضاة ابن أبي الشوارب ليعلقه في الكعبة .
[ ص: 566 ] وفي سنة ست وستين : وصلت عساكر الروم إلى ديار بكر ، ففتكوا ، وهرب أهل الجزيرة ، والموصل .
وفيها : وثبت الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها .
وفي سنة سبع وستين : استولى أحمد بن عبد الله الحجابي على خراسان وكرمان وسجستان ، وعزم على قصد العراق ، وضرب السكة باسمه ، وعلى الوجه الآخر اسم المعتمد ، وهذا محل الغرابة ، ثم إنه في آخر السنة قتله غلمانه ، فكفى الله شره .


