[قدوم عضد الدولة على الطائع]
مصر إلى بغداد، وسأل عضد الدولة الطائع أن يزيد في ألقابه: تاج الملة، ويجدد الخلع عليه، ويلبسه التاج فأجابه، وجلس الطائع على السرير وحوله مائة بالسيوف والزينة، وبين يديه مصحف عثمان، وعلى كتفه البردة، وبيده القضيب، وهو متقلد بسيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضربت ستارة بعثها عضد الدولة، وسأل أن تكون حجابا للطائع حتى لا يقع عليه عين أحد من الجند قبله، ودخل الأتراك والديلم وليس مع أحد منهم حديد، ووقف الأشراف وأصحاب المراتب من الجانبين، ثم أذن لعضد الدولة فدخل، ثم رفعت الستارة، وقبل عضد الدولة الأرض، فارتاع زياد القائد لذلك وقال لعضد الدولة: ما هذا أيها الملك؟! أهذا هو الله؟! وفي سنة تسع وستين: ورد رسول العزيز صاحب
فالتفت وقال: هذا خليفة الله في الأرض، ثم استمر يمشي ويقبل الأرض سبع مرات، فالتفت الطائع إلى خالص الخادم، وقال: استدنه، فصعد عضد الدولة، فقبل الأرض دفعتين، فقال له: ادن إلي، فدنا وقبل رجله، وثنى الطائع يمينه عليه، وأمره فجلس على كرسي بعد أن كرر عليه: اجلس، وهو يستعفي، فقال له: أقسمت عليك لتجلسن; فقبل الكرسي وجلس.
فقال له (قد رأيت أن أفوض إليك ما وكل الله إلي من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها، وتدبيرها في جميع جهاتها سوى خاصتي وأسبابي، فتول ذلك. الطائع:
فقال: يعينني الله على طاعة مولانا أمير المؤمنين وخدمته، ثم أفاض عليه الخلع وانصرف).
[ ص: 630 ] قلت: انظر إلى هذا الأمر وهو الخليفة المستضعف الذي لم تضعف الخلافة في زمن أحد ما ضعفت في زمنه، ولا قوي أمر سلطان ما قوي أمر عضد الدولة!!
وقد صار الأمر في زماننا إلى أن الخليفة يأتي إلى السلطان يهنئه برأس الشهر، فأكثر ما يقع من السلطان في حقه أن ينزل عن مرتبته، ويجلسان معا خارج المرتبة، ثم يقوم الخليفة يذهب كآحاد الناس، ويجلس السلطان في دست مملكته.
ولقد حدثت: أن السلطان الأشرف برسباي لما سافر إلى آمد لقتال العدو، وصحب الخليفة معه... كان الخليفة راكبا أمامه يحجبه، والهيبة والعظمة للسلطان، والخليفة كآحاد الأمراء الذين في خدمة السلطان.
همذان عضد الدولة وقدم بغداد، فتلقاه الطائع ولم تجر عادة بخروج الخلفاء لتلقي أحد. وفي سنة سبعين: خرج من
فلما توفيت بنت معز الدولة... ركب المطيع إليه فعزاه، فقبل الأرض، وجاء رسول عضد الدولة يطلب من الطائع أن يتلقاه، فما وسعه التأخر.
ولقبه: شمس الملة، وخلع عليه سبع خلع، وتوجه، وعقد له لواءين. وفي سنة اثنتين وسبعين: مات عضد الدولة، فولى الطائع مكانه في السلطنة ابنه صمصام الدولة،
ثم مؤيد الدولة أخو عضد الدولة. في سنة ثلاث وسبعين: مات
[ ص: 631 ] وفي سنة خمس وسبعين: هم صمصام الدولة أن يجعل المكس على الثياب الحرير والقطن مما ينسج ببغداد ونواحيها، ودفع له في ضمان ذلك ألف ألف درهم في السنة، فاجتمع الناس في جامع المنصور، وعزموا على المنع من صلاة الجمعة، وكاد البلد يفتتن، فأعفاهم من ضمان ذلك.
فانتصر عليه وكحله، ومال العسكر إلى شرف الدولة، وقدم وفي سنة ست وسبعين: قصد شرف الدولة أخاه صمصام الدولة، بغداد، وركب الطائع إليه يهنئه بالبلاد، وعهد إليه بالسلطنة وتوجه، وقرئ عهده والطائع يسمع.
كما فعل وفي سنة ثمان وسبعين: أمر شرف الدولة برصد الكواكب السبعة في مسيرها المأمون.
وفيها: ببغداد جدا، وظهر الموت بها، ولحق الناس بالبصرة حر وسموم تساقط الناس منه، وجاءت ريح عظيمة بفم الصلح خرقت دجلة حتى ذكر أنه بانت أرضها، وغرقت كثيرا من السفن، واحتملت زورقا منحدرا وفيه دواب، وطرحت ذلك في أرض جوخى، فشوهد بعد أيام. اشتد الغلاء
شرف الدولة، وعهد إلى أخيه أبي نصر، فجاءه وفي سنة تسع وسبعين: مات إلى دار المملكة يعزيه، فقبل الطائع أبو نصر الأرض غير مرة، ثم ركب أبو نصر إلى الطائع، وحضر الأعيان، فخلع الطائع على أبي نصر سبع خلع أعلاها سوداء، وعمامة سوداء، وفي عنقه طوق كبير، وفي يديه سواران، [ ص: 632 ] ومشى الحجاب بين يديه بالسيوف، ثم قبل الأرض بين يدي الطائع وجلس على كرسي، وقرئ عهده، ولقبه الطائع: بهاء الدولة وضياء الملة.