قوله تعالى : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } .
فيها إحدى عشرة مسألة :
: المسألة الأولى في نزولها
قيل : إنها نزلت في الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة ، أمروا باللباس وستر العورة ; قاله وجماعة معه . ابن عباس
وقال مجاهد : نزلت في ستر العورة في الصلاة ، وهذا ليس يدافع الأول ; لأن الطواف والزجاج بالبيت صلاة .
وفي الصحيح عن قال : كانت المرأة تطوف ابن عباس بالبيت عريانة فتقول : من تعيرني تطوافا ؟ فتجعله على فرجها وتقول : [ ص: 305 ]
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله جهم من الجهم عظيم ظله
كم من لبيب عقله يضله وناظر ينظر ما يمله
قال : وهذه المرأة هي ابن العربي ضباعة بنت عامر بن قرط .
وقد روي أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة ، إلا الحمس : قريش وأحلافهم ، فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثوب أحمسي ، فيحل أن يلبس ثيابه ، فإن لم يجد من يعيره ما يلبس من الحمس فإنه يلقي ثوبه ويطوف عريانا ، وتحرم عليه ثيابه ، فنزلت الآية .
وثبت في الصحيح { بالبيت عريان } . فنودي بها في الموسم . أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف
المسألة الثانية : في : سبب فعل الجاهلية لذلك
إن قريشا كانت رأت رأيا تكيد به العرب ، فقالوا : يا معشر قريش ; لا تعظموا شيئا من البلدان كتعظيم حرمكم ، فتزهد العرب ; في حرمكم إذا رأوكم قد عظمتم من البلدان غيره كتعظيمه ، فعظموا أمركم في العرب ; فإنكم ولاة البيت وأهله دون الناس ; فوضعوا لذلك الأمر أن قالوا : نحن أهل الحرم ، فلا ينبغي لنا أن نعظم غيره ، ولا نخرج منه ; فكانوا يقفون بالمزدلفة دون عرفة ; لأنها خارج من الحرم ، وكانت سنة إبراهيم وعهدا من عهده ، ثم قالوا : لا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلا في ثيابنا ، ولا يأكل إذا دخل أرضنا إلا من طعامنا ، ولا يأكل الأقط ، ولا يستظل بالأدم إلا الحمس ، وهم قريش ، وما ولدت من العرب ومن كان يليها من حلفائها من بني كنانة ; فكان الرجل من العرب أو المرأة يأتيان حاجين ، حتى إذا أتيا الحرم وضعا ثيابهما وزادهما ، وحرم عليهما أن يدخلا مكة بشيء من ذلك : فإن كان لأحد [ ص: 306 ] منهم صديق من الحمس استعار من ثيابه وطاف بها ، ومن لم يكن له صديق منهم ، وكان له يسار استأجر من رجل من الحمس ثيابه ، فإن لم يكن له صديق ولا يسار يستأجر به كان بين أحد أمرين : إما أن يطوف بالبيت عريانا ، وإما أن يتكرم أن يطوف بالبيت عريانا فيطوف في ثيابه ; فإذا فرغ من طوافه ألقى ثوبه عنه ، فلم يمسه ، ولم يمسه أحد من الناس ; فكان ذلك الثوب يسمى اللقى قال قائل من العرب :
كفى حزنا كري عليه كأنه لقى بين أيدي الطائفين حريم
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
ووضع الله ما كانت قريش ابتدعت من ذلك ، وقد أنزل الله في تركهم الوقوف بعرفة : { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } يعني بذلك قريشا ومن كان على دينهم .