الآية السابعة عشرة :
قوله تعالى : وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم } . {
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى : السلم : بفتح السين وكسرها وإسكان اللام ، وبفتح السين واللام ، وبزيادة الألف أيضا : هو الصلح ، وقد يكون السلام بالألف واللام من التسليم وقد تقدم .
المسألة الثانية : في ذلك ثلاثة أقوال :
الأول : أنها منسوخة بقوله : { فاقتلوا المشركين } ونحوه .
الثاني : إن دعوك إلى الصلح فأجبهم ; قاله ابن زيد والسدي .
الثالث : إن جنحوا إلى الإسلام فاجنح لها ; قاله . ابن إسحاق
قال : وعنى به مجاهد قريظة ; لأن الجزية تقبل منهم ، فأما المشركون فلا يقبل منهم شيء . [ ص: 427 ]
المسألة الثالثة : أما قول من قال : إنها منسوخة بقوله : { فاقتلوا المشركين } فدعوى ، فإن شروط النسخ معدومة فيها ، كما بيناه في موضعه .
وأما من قال : إن دعوك إلى الصلح فأجبهم فإن ذلك يختلف الجواب فيه ; وقد قال الله : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون } .
فإذا كان المسلمون على عزة ، وفي قوة ومنعة ، ومقانب عديدة ، وعدة شديدة : فلا صلح حتى تطعن الخيل بالقنا ، وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم ، وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح لانتفاع يجلب به ، أو ضر يندفع بسببه فلا بأس أن يبتدئ المسلمون به إذا احتاجوا إليه ، وأن يجيبوا إذا دعوا إليه وقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على شروط نقضوها ، فنقض صلحهم ، وقد وادع الضمري ، وقد صالح أكيدر دومة ، وأهل نجران ، وقد هادن قريشا لعشرة أعوام حتى نقضوا عهده ، وما زالت الخلفاء والصحابة على هذه السبيل التي شرعناها سالكة ، وبالوجوه التي شرحناها عاملة .