الآية السادسة والعشرون قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } .
فيها ثمان وعشرون مسألة :
المسألة الأولى : هذه الآية من أمهات الآيات ، إن الله بحكمته البالغة ، وأحكامه الماضية العالية ، خص بعض الناس بالأموال دون البعض ، نعمة منه عليهم ، وجعل شكر ذلك منهم إخراج سهم يؤدونه إلى من لا مال له ، نيابة عنه سبحانه وتعالى فيما ضمنه بفضله لهم في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } ; وقدر
[ ص: 520 ] الصدقات على حسب أجناس الأموال ، فجعل في النقدين ربع العشر ، وجعل في النبات العشر ، ومع تكاثر المؤنة نصف العشر ، ويترتب على هذا
nindex.php?page=treesubj&link=2645القول في حقيقة الصدقة وهي : المسألة الثانية : على قولين : أحدهما : أنه جزء من المال مقدر معين ; وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إنها جزء من المال مقدر
فجوز
nindex.php?page=treesubj&link=2761_25499_2990_24607_24601_2846_2825إخراج القيمة في الزكاة ; إذ زعم أن التكليف والابتلاء إنما هو في نقص الأموال ، وذهل عن التوفية لحق التكليف في تعيين الناقص ، وأن ذلك يوازي التكليف في قدر الناقص ; فإن المالك يريد أن يبقى ملكه بحاله ، ويخرج من غيره عنه ، فإذا مالت نفسه إلى ذلك ، وعلقت به ، كان التكليف قطع تلك العلاقة التي هي بين القلب وبين ذلك الجزء من المال ، فوجب إخراج ذلك الجزء بعينه .
فإن قيل : فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره في كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق بالصدقة : ومن بلغت صدقته بنت مخاض ، وليست عنده ، وعنده بنت لبون ، فإنها تقبل منه ، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين .
قلنا : قد أجاب عنه علماؤنا بأربعة أجوبة : أحدها : أن هذا خبر واحد يخالف الأصول ، وعندهم إذا خالف خبر الواحد الأصول بطل في نفسه .
الثاني : أن هذا الحديث لم يخرج مخرج التقويم ، بدليل أنه لم يقل : ومن بلغت صدقته بنت مخاض ، وعنده بنت لبون ، فإنها تؤخذ منه ويعطى عشرين درهما ، وإنما كان القياس أن يقول : فإنها تؤخذ منه إذا عرفت قيمتها ، فلما عدل عن القيمة إلى التقدير والتحديد بتعين الشاتين أو العشرين درهما دل على أنه خرج مخرج العبادة .
[ ص: 521 ] الثالث : أن هذا إنما جوز في الجيران ضرورة اختلاف السنين ، ولا ضرورة إلى إجزائه في الأصل ، فبقي على حاله .
الرابع : أن كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في الصدقة الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وعمل به في الأقطار والأمصار أولى من كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق الذي لم يجئ إلا من طريق واحدة . ولعله كان لقضية في عين مخصوصة .
الْآيَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
فِيهَا ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الْآيَاتِ ، إنَّ اللَّهَ بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ ، وَأَحْكَامِهِ الْمَاضِيَةِ الْعَالِيَةِ ، خَصَّ بَعْضَ النَّاسِ بِالْأَمْوَالِ دُونَ الْبَعْضِ ، نِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْهِمْ ، وَجَعَلَ شُكْرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إخْرَاجَ سَهْمٍ يُؤَدُّونَهُ إلَى مَنْ لَا مَالَ لَهُ ، نِيَابَةً عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيمَا ضَمِنَهُ بِفَضْلِهِ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } ; وَقَدَّرَ
[ ص: 520 ] الصَّدَقَاتِ عَلَى حَسَبِ أَجْنَاسِ الْأَمْوَالِ ، فَجَعَلَ فِي النَّقْدَيْنِ رُبْعَ الْعُشْرِ ، وَجَعَلَ فِي النَّبَاتِ الْعُشْرَ ، وَمَعَ تَكَاثُرِ الْمُؤْنَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=2645الْقَوْلِ فِي حَقِيقَةِ الصَّدَقَةِ وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ مُقَدَّرٌ مُعَيَّنٌ ; وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : إنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ مُقَدَّرٌ
فَجَوَّزَ
nindex.php?page=treesubj&link=2761_25499_2990_24607_24601_2846_2825إخْرَاجَ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ ; إذْ زَعَمَ أَنَّ التَّكْلِيفَ وَالِابْتِلَاءَ إنَّمَا هُوَ فِي نَقْصِ الْأَمْوَالِ ، وَذَهَلَ عَنْ التَّوْفِيَةِ لِحَقِّ التَّكْلِيفِ فِي تَعْيِينِ النَّاقِصِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُوَازِي التَّكْلِيفَ فِي قَدْرِ النَّاقِصِ ; فَإِنَّ الْمَالِكَ يُرِيدُ أَنْ يَبْقَى مِلْكُهُ بِحَالِهِ ، وَيَخْرُجَ مِنْ غَيْرِهِ عَنْهُ ، فَإِذَا مَالَتْ نَفْسُهُ إلَى ذَلِكَ ، وَعَلِقَتْ بِهِ ، كَانَ التَّكْلِيفُ قَطْعَ تِلْكَ الْعَلَاقَةِ الَّتِي هِيَ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الْمَالِ ، فَوَجَبَ إخْرَاجُ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِعَيْنِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِالصَّدَقَةِ : وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ .
قُلْنَا : قَدْ أَجَابَ عَنْهُ عُلَمَاؤُنَا بِأَرْبَعَةِ أَجْوِبَةٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا خَبَرُ وَاحِدٍ يُخَالِفُ الْأُصُولَ ، وَعِنْدَهُمْ إذَا خَالَفَ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْأُصُولَ بَطَلَ فِي نَفْسِهِ .
الثَّانِي : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ التَّقْوِيمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ ، فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُعْطَى عِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ : فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا عُرِفَتْ قِيمَتُهَا ، فَلَمَّا عَدَلَ عَنْ الْقِيمَةِ إلَى التَّقْدِيرِ وَالتَّحْدِيدِ بِتَعَيُّنِ الشَّاتَيْنِ أَوْ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعِبَادَةِ .
[ ص: 521 ] الثَّالِثُ : أَنَّ هَذَا إنَّمَا جَوَّزَ فِي الْجِيرَانِ ضَرُورَةَ اخْتِلَافِ السِّنِينَ ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إجْزَائِهِ فِي الْأَصْلِ ، فَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ كِتَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ وَعَمِلَ بِهِ فِي الْأَقْطَارِ وَالْأَمْصَارِ أَوْلَى مِنْ كِتَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الَّذِي لَمْ يَجِئْ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ . وَلَعَلَّهُ كَانَ لِقَضِيَّةٍ فِي عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ .