المسألة الثانية والعشرون : إذا قلنا : إن الأصناف الثمانية مستحقون ، فيأخذ كل أحد حقه وهو الثمن ، ولا مسألة معنا .
وإن قلنا : إن الإمام يجتهد ، وهو الصحيح ; فاختلف العلماء . بأي صنف يبدأ
فأما العاملون فإن قلنا : إن أجرتهم من بيت المال ، فلا كلام .
وإن قلنا : إن أجرتهم من الزكاة فبهم نبدأ ، فنعطيهم الثمن على قول ، وقدر أجرتهم على الصحيح في الشرع ; فإن الخبر بأن يعطى كل أجير أجره قبل أن يجف عرقه مأثور اللفظ صحيح المعنى .
فإن أخذ العامل حقه فلا يبقى صنف يترجح فيه إلا صنفين ; هما سبيل الله والفقراء ، أو ثلاثة أصناف إن قلنا : إن الفقراء والمساكين صنفان ، فأما سبيل الله إذا اجتمع مع الفقر فإن الفقر مقدم عليه إلا أن ينزل بالمسلمين حاجة إلى مال الصدقة فيما لا بد منه من دفع مضرة ، كما تقدم ، فإنه يقدم على كل نازلة .
وأما الفقراء والمساكين فالصحيح أنهم صنفان ، ولا نبالي بما قال الناس فيهما ، وها أنا ذا أريحكم منه بعون الله ; فإن قال القائل بأن الفقير من له شيء والمسكين من لا شيء له ، أو بعكسه ، فإن من لا شيء له هو المقدم على من له شيء ، فهذا المعنى ساقط لا فائدة فيه .
وأما إن قلنا : إن الفقير هو الذي لا يسأل ، والمسكين هو الذي يسأل فالذي لا يسأل أولى ; لأن السائل أقرب إلى التفطن والغنى ، والعلم به ممن لا يسأل ، ولا يفطن له فيتصدق عليه .
ولا خلاف أن الزمن مقدم على الصحيح ، وأن المحتاج مقدم على سائر الناس ، وأن المسلم مقدم على الكتابي .
وقد سقط اعتبار الهجرة والتقرب بذهاب [ ص: 536 ] زمانهما ، فلا معنى للاحتجاج على ذلك كله ، والحمد لله الذي من بالمعرفة وكفانا المئونة .