المسألة الثانية : قوله تعالى { وسيرى الله عملكم ورسوله } : الباري راء مرئي ، يرى الخلق ، ويرونه ، فأما رؤيتهم له ففي محل مخصوص ، ومن قوم مخصوصين ، وأما رؤيته للخلق فدائمة ، فهو تعالى يعلم ويرى .
وقال جماعة من المبتدعة : إنه يعلم ولا يرى ، ومتى أخبر عنه بالرؤية فإنها راجعة إلى العلم ، وقد دللنا في كتب الأصول على أنه راء برؤية ، كما أنه عالم بعلم ; لأنه أخبر عن نفسه بذلك ، وخبره صادق ، ولو لم يكن رائيا لكان مئوفا ; لأن الحي إذا لم يكن مدركا كان مئوفا ، وهو المتقدس عن الآفات والنقائص ، وهذه العمدة العقلية لعلمائنا ; فقد أخبر سبحانه عن نفسه بما يجب له من صفته ، وقام الدليل عليه من نعته ، فلزمنا اعتقاده والإخبار به .
المسألة الثالثة : قوله تعالى { وسيرى الله عملكم } : ذكره بصيغة الاستقبال ; لأن الأعمال مستقبلة ، والباري يعلم ما يعمل قبل أن يعمل ، ويراه إذا عمل ; لأن العلم يتعلق بالموجود والمعدوم ، والرؤية لا تتعلق إلا بالموجود ، وقد قال في الحديث الصحيح ، { جبريل : ما الإحسان ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : أن تعبد الله كأنك تراه ; فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك } . عن
المسألة الرابعة : قال : قوله : { الأستاذ أبو بكر وسيرى الله عملكم } : معناه يجعله في الظهور محل ما يرى .
وروى ابن القاسم ، عن في الآية : أنه كان يقال : ابن مالك آدم ، اعمل وأغلق عليك سبعين بابا ، يخرج الله عملك إلى الناس .
وهذا الذي قاله ، الأستاذ أبو بكر والإمام مالك ، إنما يكون فيما يتعلق برؤية الناس ، فأما فإنها تتعلق بما يسره ، كما تتعلق بما يظهره ; لأنه لا تؤثر الحجب في رؤيته ، ولا تمنع الأجسام عن إدراكه . رؤية الله
[ ص: 565 ] وفي الأثر { } . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن رجلا عبد الله في صخرة لا باب لها ، ولا كوة لأخرج الله عمله إلى الناس كائنا ما كان ، والله يطلع المؤمنين على ما في قلوب إخوانهم من خير فيحبونه ، أو شر فيبغضونه
وقال الله : { } . إذا تقرب إلي عبدي شبرا تقربت إليه ذراعا ، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا ، وإذا أتاني يمشي آتيته أهرول ، ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به
وفي الصحيح : { جبريل ; إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي جبريل : يا ملائكة السماء ; إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه ملائكة السماء ; ثم يوضع له القبول في الأرض ، ولا أراه في البغض إلا مثل ذلك } . إذا أحب الله عبدا نادى في السماء يا
إيضاح مشكل : قوله : " إذا تقرب العبد مني شبرا تقربت منه ذراعا مثل ; لأن البارئ سبحانه يستحيل عليه القرب بالمساحة ; وإنما قربه بالعلم والإحاطة للجميع ، وبالرحمة والإحسان لمن أراد ثوابه .
وقوله أيضا : أتيته أهرول مثله في التمثيل ، والإشارة به إلى أن الثواب يكون أكثر من العمل ، فضرب زيادة الأفعال بين الخلق في المجازاة على البعض مثلا في زيادة ثوابه على أعمالهم .
وقوله : لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل ، إشارة إلى أن المواظبة على العمل توجب مواظبة الثواب ، وتطهر المواظبة الأعضاء عن المعاصي ; فحينئذ تكون الجوارح لله خالصة ; فعبر بنفسه تعالى عنها تشريفا لها حين خلصت من المعاصي .
ومثله النزول ، فإنه عبارة عن إفاضة الخير ونشر الرحمة . .