الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 139 ] سورة الطور [ فيها آيتان ]

                                                                                                                                                                                                              الآية الأولى قوله تعالى : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين } .

                                                                                                                                                                                                              وقرئ : وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان .

                                                                                                                                                                                                              فيها ( مسألة ) : القراءتان لمعنيين : أما إذا كان اتبعتهم على أن يكون الفعل للذرية فيقتضي أن يكون الذرية مستقلة بنفسها تعقل الإيمان وتتلفظ به . وأما إذا كان الفعل واقعا بهم من الله عز وجل بغير واسطة نسبة إليهم فيكون ذلك لمن كان من الصغر في حد لا يعقل الإسلام ، ولكن جعل الله له حكم أبيه لفضله في الدنيا من العصمة والحرمة .

                                                                                                                                                                                                              فأما إتباع الصغير لأبيه في أحكام الإسلام فلا خلاف فيه .

                                                                                                                                                                                                              وأما تبعيته لأمه فاختلف فيه العلماء واضطرب فيه قول مالك .

                                                                                                                                                                                                              والصحيح في الدين أنه يتبع من أسلم من أحد أبويه ، للحديث الصحيح عن ابن عباس قال : كنت أنا وأمي من المستضعفين من المؤمنين ، وذلك أن أمه أسلمت ولم يسلم العباس فاتبع أمه في الدين ، وكان لأجلها من المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                              فأما إذا كان أبواه كافرين فعقل الإسلام صغيرا وتلفظ به ، فاختلف العلماء اختلافا كثيرا .

                                                                                                                                                                                                              ومشهور المذهب أنه يكون مسلما . والمسألة مشكلة ، وقد أوضحناها بطرقها في مسائل الخلاف ومن عمدها هذه الآية ، وهي قوله : { واتبعتهم ذريتهم بإيمان } ، فنسب الفعل إليهم ; فهذا يدل على أنهم عقلوه وتكلموا به ; فاعتبره الله ، وجعل لهم حكم المسلمين . [ ص: 140 ] ومن العمد في هذه المسألة أن المخالف يرى صحة ردته فكيف يصح اعتبار ردته ولا يعتبر إسلامه ، وقد احتج جماعة بإسلام علي بن أبي طالب صغيرا وأبواه كافران .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية