وأما من قال : إن معناه لا يجد طعمه إلا المطهرون من الذنوب التائبون العابدون فهو صحيح ، اختاره البخاري ; قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ذاق طعم الإسلام من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا } ; لكنه عدول عن الظاهر لغير ضرورة عقل ولا دليل سمع .
وقد روى مالك وغيره أن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخته { : من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال ، والحارث بن عبد كلال ، ونعيم بن عبد كلال ، قيل ذي رعين ومعافر وهمدان : أما بعد وكان في كتابه ألا يمس القرآن إلا طاهر } .
وقد روي أن عمر بن الخطاب دخل على أخته وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وهما يقرآن طه ، فقال : ما هذه الهينمة ، وذكر الحديث إلى أن قال : هاتوا الصحيفة . فقالت له أخته : إنه لا يمسه إلا المطهرون فقام واغتسل وأسلم . وقد قال أبو بكر الصديق يرثي النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 147 ]
فقدنا الوحي إذ وليت عنا وودعنا من الله الكلام سوى ما قد تركت لنا قديما
توارثه القراطيس الكرام
وقد قال أهل العراق منهم إبراهيم النخعي . ولا يمس القرآن إلا طاهر .
واختلفت الرواية عن أبي حنيفة ; فروي عنه أنه يمسه المحدث ، وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه وما لا مكتوب فيه . وأما الكتاب فلا يمسه إلا المطهرون . وهذا إن سلم مما يقوي الحجة عليه ; لأن حريم الممنوع ممنوع ، وفيما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أقوى دليل عليه . والله أعلم .


